غدا لناظره قريب

TT

لا أنكر أبدا ضعفي أمام متخصصي القراءات المستقبلية، الذين يبنون رؤياهم بناء على فرضيات علمية محددة مليئة بالإحصاءات والمعلومات التي يمكن الاعتماد عليها. وقد يكون من المناسب التوقف برهة لالتقاط الأنفاس وجمع الأفكار والسماح بالهدوء أن يحل والضوضاء أن تخف وفهم خطوط عريضة تتجه إليها المنطقة العربية، وهي محاولة صعبة وغير مضمونة ولكن لا ضير ولا بأس أبدا من المحاولة.

النفط.. ذلك السلعة الآسرة الساحرة، مغناطيس القوة العظمى في آخر خمسين عاما على أقل تقدير وأحد أهم عناصر التأثير على قرارات السياسة الاقتصادية، يبدو أن حاله سيتغير، فهناك «اكتشافات جديدة» وصفت بالمهولة في ولايتي شمال وجنوب داكوتا بالولايات المتحدة، تقول بعض الدراسات الأولية عنها أن احتياطي ومخزون هذه الاكتشافات يفوق حجم ما لدى العراق، ويضاف لذلك اكتشاف احتياطي للغاز في أكثر من موقع حول العالم وسهولة استخراجه ورخص سعره وترحيب العالم به بديلا «أنقى» من النفط وأقل ضررا بالبيئة، واستمرار الحال السلبي للعالم الصناعي الأول وبقائه فترة لن تكون بالقصيرة في غياهب البطالة والركود، مما يعني قلة استخدام النفط والطاقة واستمرار توجه الصين تحديدا لزيادة استهلاكها من الفحم مصدرا للطاقة في مناجمها ومناجم أستراليا، كل ذلك يفسر الهبوط التدريجي لسعر النفط وترشحه الغالب على استمرار تراجعه في الأسواق العالمية وهذه المسألة سيكون لها أثر مهم على قطاعات سياسية واقتصادية مختلفة.

إسرائيل تواجه مأزقا غريبا، فهي رفعت سقف المواجهة مع الملف النووي الإيراني ورفعت بالتالي جاهزيتها العسكرية لحدود قصوى، ومن جهة أخرى يبدو أن هناك انقساما واضحا داخل إدارتها على قرار ضرب إيران بين وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فضحه على الملأ بشكل غريب وغير مسبوق الرئيس الرمزي لإسرائيل شيمعون بيريس، ولكن هناك «جعجعة» وزير خارجيتها الشديد التطرف ليبرمان الذي عاد إلى نغمة تهديد ضرب مصر، فها هو الآن يهدد بضرورة الدخول إلى سيناء لإعادة الأمور لنصابها أمنيا بما فيها «تجاوزات وخروقات الجيش المصري» نفسه هناك، وهذه مسألة شديدة الخطورة لما فيها من تهديد واضح وصريح يبطن الآن بعبارات أن ما فعلته مصر هو مخالف لمعاهدة السلام مع إسرائيل وإذا لم تردع فإن لإسرائيل الحق في القيام بعمل عسكري ضدها، أي أنهم يحاولون إيجاد غطاء قانوني لعمل عسكري. وطبعا هناك ضربة جاهزة متوقعة ضد لبنان بحجة الاعتداء الاستباقي ضد حزب الله هناك، منعا لأي عمل من الممكن أن يحدث وهي عادة معروفة لإسرائيل لتبرير كل أعمالها الإجرامية من هذا النوع. ولكن إسرائيل لا تزال مصرة «خلف الكواليس» على عدم قيام الغرب بتسليح المعارضة السورية بأي نوع من الأسلحة «النوعية» التي من الممكن أن ترجح الكفة، مثل السلاح المضاد للطيران والمضاد للدبابات، فإسرائيل ترغب في بقاء نظام الأسد ولكنها تريد سوريا منهكة ومشغولة بنفسها، ولكن أن تبقى الغلبة لنظام الأسد، هذا واضح جدا ولم يعد هناك مجال للبحث أو الشك فيه. فلم تر إسرائيل على مدى تاريخها حدودا أضمن ولا أهدأ من حدودها مع سوريا تحت حكم الأسد الأب وابنه.

الملف الكردي سيأخذ نصيبا أكبر من المساحة، أكراد سوريا سينسقون مع أكراد العراق على «نسخ» ذات التجربة على الأراضي السورية ثم يكون سيناريو الدمج بينهما لاحقا بشكل متكامل وسيزيد هذا الأمر الإحراج والقلق على تركيا وأكرادها، ولكن هناك ضوءا أخضر عالميا قد منح للسير في الملف الكردي كما يبدو.

الطائفية والمذهبية العنصرية لن تهدأ وسيزداد وضعها خطرا على الاستقرار الأمني والسياسي، لأنه طالما لم يجرم فاعلها قانونا ونظاما بشكل صريح مثله مثل القاتل ومخالف إشارة المرور والسارق ستبقى المسألة نوايا حسنة لا أكثر.

خلط مستمر لا يزال بين مفهوم الحرية والفوضى، وهي مسألة ستؤجج الصراعات بين أطياف المجتمعات ولن تحسم إلا بقانون نافذ يدعمه قضاء مستقل وأمين. قراءة سريعة لأيام قادمة ويبقى الأمل في كرم الله والأيام بيننا.

[email protected]