أحجية السياسة الخارجية

TT

عندما يعمد الصحافيون إلى كتابة الأخبار ولا تتوافر بين أيديهم المعلومات الكافية، يلجأون في بعض الأحيان إلى كتابة «TK»، التي تعني «يتبع لاحقا». أشعر أن هذا هو ديدن السياسة الخارجية لرومني. ففضلا عن تأييده لإسرائيل وانتقاداته لروسيا والصين، تبدو أفكار رومني بشأن القضايا العالمية الراهنة والوجهة التي يود قيادة البلاد إليها غير واضحة المعالم.

هل سيكون رومني أحد المحافظين الجدد ممن يتمتعون برؤية مثالية عن تغيير أميركا للعالم من خلال القوة العسكرية والدفاع عن الديمقراطية؟ هذا هو الانطباع الذي يسيطر على المرء لدى سماع بعض خطبه وقراءة برنامجه المعلن، ومن دور المحافظين الجدد، من أمثال دان سينور، أحد مستشاريه المقربين.

أم أن رومني واقعي يتبنى وجهة نظر أكثر عملية مما قد توحي به بعض خطبه؟ فهل سيبرهن، كرئيس، على أنه معتدل أقرب إلى الخط الجمهوري المعتدل بشأن السياسة الخارجية؟ يراود كثير من المحافظين الشكوك في هذا تحديدا، معتقدين أن تبني رومني لمواقف اليمين المتشدد نوع من الانتهازية السياسية.

أحد البراهين على ذلك يتمثل في شخصية وزير الخارجية في حكومة رومني. هل ستكون سياسة خارجية جمهورية شعبية ويتولى ستيف هادلي مستشار الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش، أو بوب زوليك الذي كان نائبا لوزير الخارجية في عهد بوش الابن أيضا؟ أم أن بصره سيتوجه تلقاء أحد الصقور المتشددين من أمثال جون بولتون المبعوث الأميركي السابق إلى الأمم المتحدة؟ لأي منا أن يخمن.

ضبابية السياسة الخارجية لرومني تجلت بوضوح في الجدل الذي أعقب الإعلان عن زوليك، الواقعي المتشدد، لقيادة السياسة الخارجية في الفترة الانتقالية، مما تسبب في عاصفة نارية من الاحتجاجات من جانب المحافظين، بحسب مدونة «واشنطن بوست» جنيفر روبن، التي وصفت زوليك بالشخص «البغيض» للصقور. بدأت حملة رومني في التراجع فورا، لتؤكد مصادر داخلها أن زوليك لن يلعب أي دور بارز في إدارة رومني.

قضية سيطرة المحافظين الجدد على رومني (والحزب الجمهوري بشكل عام) أثارها روبرت ميري، رئيس تحرير مجلة «ناشيونال إنترست»، التي تعتبر صوت المعسكر «الواقعي».

أكد ميري في الكتاب الذي أصدره في عام 2005 «رمال إمبراطورية»، أن السياسة الخارجية للحزب الجمهوري لها ثلاثة أجنحة؛ الأول هو البراغماتيون، الذين يمثلهم شخصيات مثل برنت سكوكروفت وجيمس بيكر، والثاني القوميون، الذين يجسدهم الصقور مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، والثالث المحافظون الجدد، وأبرزهم بول وولفويتز وإليوت أبرامز وإليوت كوهين.

وقال ميري في مقابلة: «مع أنه في أعقاب سبتمبر (أيلول) 2001 قام القوميون والمحافظون الجدد بتوحيد قواهم وتشكيل سياسة خارجية اتسمت بالمثالية والعسكرية، فقد أدت إلى حروب في العراق وأفغانستان». هذه السطوة لما وصفه ميري بـ«أتباع ويلسون المتشددين»، انعكست بشكل واضح خلال فترة بوش الثانية، لكن مع رومني يبدو أنهم سيعودون مجددا أقوى من ذي قبل، وأكد ميري بالقول: «لم تؤثر أي عقيدة مخالفة للمحافظين الجدد في الحزب الجمهوري».

وتأتي وجهة نظر مقابلة من أحد المحافظين الجدد البارزين المؤيدين لرومني، لكنه يرى في الوقت نفسه أن سياساته الخارجية في الوقت الراهن لا تتجاوز كونها «بحثا». وقد قال لي هذا الداعم لرومني إن الأخير «لم يطرح سياسة خارجية متماسكة»، مفضلا توجيه الانتقادات إلى أوباما اعتمادا على صورة ساخرة للرئيس كيساري ليبرالي معارض للحرب، وهي الأوصاف التي لم تكن دقيقة منذ عام 2008. وبعيدا عن دعمه لإسرائيل «يبدو الحزب الجمهوري منعزلا وقوميا على نحو متزايد».

من جانبها، تشكك إدارة أوباما في مصداقية ما يقوله رومني، مؤكدة أن ذلك يوجب عليه تغيير السياسات فور انتخابه، فتعهده بالإعلان عن أن الصين متلاعبة بالعملة الخارجية في اليوم الأول لانتخابه، على سبيل المثال، يناقض سياسة الحزب الجمهوري على مدى عقود، وربما يؤدي إلى انطلاق حرب تجارية. والانتقادات بشأن ضعف أوباما المزعوم تجاه إيران وسوريا وأفغانستان تتجاهل حقيقة أن الحفاظ على أميركا، التي أنهكتها الحروب، بعيدة عن صراع آخر مطلب أكثر شعبية.

يؤكد أحد الجمهوريين البارزين أنه مهما كانت عيوب رومني كمرشح بشأن السياسة الخارجية، فإنه سيتصرف بشكل مختلف كرئيس. وقال: «بوش تغير، وأوباما تغير، ورومني سوف يتغير». هذا هو جوهر واقعية السياسة الخارجية، وهذا هو الاعتقاد بأن الحدود (الحلفاء والأعداء والمشكلات والأدوات) التي تشكل الاستراتيجية، لا تختلف كثيرا من إدارة إلى أخرى، ولا السياسة كذلك.

هذا التساؤل ينبغي التفكير فيه مليا ونحن نشاهد رومني الأسبوع المقبل في تامبا؛ هل يقدم وجهة نظر متماسكة للولايات المتحدة والعالم، وهل حقا يعني ما يقول؟

* خدمة «واشنطن بوست»