المفاتيح.. وما أدراك ما المفاتيح؟

TT

في رحيلي وترحالي حطت بي السيارة في سان بيتر، القرية الصغيرة في أعماق الغابة السوداء بألمانيا. رأيت القوم متجمعين أمام تمثال مريم العذراء يتوسطهم ويقودهم في أداء الدعاء والابتهال كاهن القرية بجبته السوداء. قلت لنفسي لا بد أن مصيبة كبيرة حلت بهذه القرية الآمنة فتساءلت. قالوا إن السيد فرتز أضاع مفتاح بيته. وترك فيه الديك الرومي لغداء يوم الكريسماس يغلي على النار. فتشوا عن المفتاح في كل مكان ولم يعثروا عليه. فاستشاروا القس فجمعهم أمام تمثال السيدة العذراء يبتهلون إليها أن تدلهم على مكان المفتاح.

نضحك على الحكاية ولكن من منا لم يجابه محنة ضياع مفاتيح بيته أو خزانته أو سيارته وجن جنونه وراح يتذرع بكل ما يخطر بباله ليدله على مكانها؟ العجيب في الأمر أن أولئك القوم كانوا من الأمة التي اشتهرت بأعلى مستويات الثقافة والعلوم والفنون وأنجبت مارتن لوثر وغوته وكارل ماركس وماكس فيبر. فلا نعجب عندما نسمع أن نوري المالكي يذهب ليستشير السيستاني أن يدله على مفاتيح السرقات التي ارتكبها المسؤولون في العراق منذ 2003.

المفاتيح بركات الله عليها عندما تفتح ورضوان الله عليها عندما تقفل ولعنة الله عليها وأي لعنة عندما تضيع.

المفاتيح وما أدراك بمصائبها وبتراثها ومكانتها في قلوبنا وعقولنا. نرى القديس بطرس في التماثيل الأوروبية يحمل المفاتيح دائما، يمسك بها ويحرص على عدم ضياعها. فهي مفاتيح الجنة حسب المعتقدات اللاتينية. وخلال الحرب العراقية الإيرانية، راح روزخونية إيران يوزعون على الصبيان مفاتيح الجنة قبل ذهابهم للجبهة. وسمعت أنه في جنوب العراق أخذ الموامنة المعممون يبيعون مفاتيح الجنة للحرامية والمزورين وشهود الزور في المحاكم الشرعية، وبأبخس الأثمان، دولارين أو ثلاثة. والله يزيد الرخص. مفاتيح الجنة..!

المفاتيح وما أدراك بها. ياما غنيناها عندما كنا أطفالا:

يا خشبة نودي نودي، سلمي لي على جدودي، جدودي بطارف مكة، دزوا لي ثوب وكعكة، الكعكة وين اضمها؟ اضمها بصندوقي، والصندوق يريد له مفتاح، المفتاح عند الحداد، والحداد يريد فلوس، والفلوس عند العروس، العروس بالحمام، الحمام يريد له قنديل، والقنديل واقع بالبير، البير يريد له حبل، الحبل بقرون الجاموس، والجاموس يريد حشيش، والحشيش يريد له مطر، والمطر عند الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

المفاتيح ويا من يدل السوريين على مكان المفاتيح. فابن الشام يستنجد بالجامعة العربية، والجامعة تستنجد بأميركا، وأميركا تحيل القضية لمجلس الأمن، ومجلس الأمن يريد صوت المندوب الصيني، ومندوب الصين يسأل بكين، وبكين تسأل موسكو، وموسكو سكرانة بفوتكو وتنطر من بيوتنك ويصحو، والصحوة تجيء من الله، والله بعونك يا سوريا. لا إله إلا الله!