عندما يتزاوج الفن مع التكنولوجيا

TT

أشد الرحال سنويا تقريبا لحضور المعارض الموسمية في الكثير من دول العالم، وهي التي تتعلق بالديكور والمفروشات والمباني، وسفري وهجرتي ليسا لتجارة أصيبها ولا لامرأة أنكحها، ولكن فقط للعلم بالشيء والوقوف على آخر ما أبدعه الفن في هذه المجالات، وهذا بحد ذاته متعة لي ما بعدها متعة، إلى جانب متعة الترويح عن النفس عندما يغلق المعرض أبوابه في المساء.

وفي شهر أكتوبر الماضي حضرت مع أحد الزملاء معرضا كبيرا مكونا من 13 قاعة واسعة، وبمرورنا على إحداها، وإذا بها تعرض كل ما يتعلق بالحمامات.

ولفت نظري شركة يابانية توقفت عند منتجاتها مليا، حيث إنهم زاوجوا بين الفن الجميل والصناعة الإلكترونية، واتضح هذا بما سموه (المرحاض الذكي).

وأخذ المسؤول السمين الذي لا يقل وزنه عن 120 كيلوغراما يبين لنا كفاءة المرحاض وذلك عندما جلس عليه وأخذ يهز مقعدته يمنة ويسرة، ثم يقوم و(يهبد) عليه مرة أخرى ليثبت لنا مدى قوة ذلك الكرسي على التحمل، وفهمنا منه أن الشخص عندما (يتبول) - أعز كم الله - ثم يضغط الزر ليتدفق الماء كالعادة، فإنه بدلا من أن يذهب مباشرة إلى المصرف، فإنه يندفع دائريا على الجوانب، فتتولى أجهزة تحسس إلكترونية قياس معدلات السكر والبروتين وأعداد كريات الدم الحمراء والبيضاء.

كما أن هناك زرا تستطيع أن (تدوسه) فتخرج لك روائح عطرة، وآخر مجرد أن تلمسه تنبعث لك تيارات هوائية من فوق ومن تحت لتضفي على نفسك السكينة والانتعاش، وثالث ما أن تضغطه حتى تخرج لك (لستة) بقطع الموسيقى والأغاني التي تفضلها، سواء سيمفونية حالمة، أو أغنية عاطفية، أما إذا كنت من هواة الصخب والرقص، فهناك مقاطع للجاز والروك، وتستطيع أن تتجاوب معها بالرقص وأنت جالس على كرسي المرحاض مثل ذلك البائع السمين، ومهما كانت حركاتك فثق أن المرحاض لن يتحطم.

شكرناه وأخذنا منه مجاملة (كتالوجات) لذلك المرحاض العجيب، وصافحناه مودعين وهو ما زال جالسا على كرسيه وكأنه جالس على عرش كسرى.

وانتقلنا من تلك الصالة إلى صالة أخرى (للإكسسوارات)، وأثناء تجوالنا وقفت أنا طويلا أمام مرآة ضخمة كانت في غاية الروعة بإطارها الفضي المزخرف بدقة مدهشة، وفيما أنا منبهر ومتأمل لهذا العمل الفني، وإذا بسيدة في منتصف العمر تحشر نفسها بيني وبين المرآة المعلقة، والواقع أنني تضايقت من حركتها غير المهذبة تلك، لأنها جعلتني ملتصقا تماما وراءها وحجبت عني حتى المشاهدة، ولكنها بدلا من أن تتأملها فوجئت بها تخرج من حقيبتها قلم (الروج الأحمر الفاقع)، وتأخذ في صبغ (براطيمها المتورمة)، وبعد أن انتهت (دفشتني) بكوعها لأفسح لها الطريق، فتنحيت عنها جانبا، ومن دون أسف ولا شكر منها انقلبت على عقبيها وذهبت وكأن شيئا لم يكن.