الأولمبياد السياسي!

TT

بينما العالم منشغل ومشغول بهمومه وقضاياه، ها هي الانتخابات الرئاسية في الدولة الأهم في العالم الولايات المتحدة الأميركية تقترب من خط النهاية وتدخل في مرحلة الحسم. الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما يواجه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتحديدا النمو الهزيل والمتذبذب للغاية لمعدلات العمل واستمرار نسبة البطالة في المجال المفزع وغير المطمئن أبدا، وذلك على الرغم من وجود قصص نجاح تحسب له، مثل عودة قطاع صناعة السيارات وعودته إلى الأرباح القياسية، فإدارته كانت وراء حزمة المعونات المالية التي أنقذت الشركات الأميركية المصنعة للسيارات من الإفلاس والإغلاق الوشيك.

ولكن الشيء ذاته لا يمكن أن يقال عن القطاعات الأخرى كالمقاولات والإسكان والقطاعات المالية المتنوعة، وفي مسألة يحاول استغلالها بشكل متواصل منافسه مرشح الحزب الجمهوري حاكم ولاية ماساتشوستس الأسبق ورجل الأعمال ميت رومني، وهو معروف عنه التغلب الحاد في مواقفه السياسية لأجل إرضاء الناخبين. ولكنه حتى هذه اللحظة لا يزال باراك أوباما متقدما على ميت رومني في استطلاعات الرأي العام، وإن كان بفارق ضئيل، وتبقى هناك «ولايات حسم» ممكن أن تذهب لأي منها، وقد يكون من شأن ذلك إحداث مفاجأة في النهاية.

الناخب الأميركي في هذه الانتخابات همه الأول الوظيفة والعمل، تقهقرت مكانة السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والأمن ومكافحة الإرهاب، الاقتصاد ولا غيره هو بطل هذه الانتخابات الأميركية، نعم سيسعى أوباما لإظهار «قيادته» للعالم، وفي دعم مكافحة الإرهاب، وأنه تمكن من اغتيال زعيم «القاعدة»، وأنه ساهم بإرساء الديمقراطية وحريات الشعوب الباحثة عن الكرامة والخلاص من الطغيان والديكتاتورية، وكيف أنه وقف مع ذلك في الربيع العربي، ولكنه إذا طرح ذلك الأمر فسيواجه بسلسلة عاصفة من النقد من منافسيه، خصوصا فيما يتعلق بالملف الخاص بالثورة السورية التي تعرضت لتغيير واضح في الحماس العملي لإنجاحها على الأرض.

الشيء اللافت هو موقف بعض منابر الإعلام في أميركا، وخصوصا الرصينة والثقيلة منها، فمثلا «النيوزويك» المعروفة بمواقفها اليسارية والليبرالية اتخذت موقفا واضحا وحادا تطالب فيه الرئيس باراك أوباما (اليساري والليبرالي) بالرحيل، وتقول إنه حان الوقت لأجل رئيس جديد للولايات المتحدة مفندة مواقفه وسياساته بأنها غير حازمة وغير كافية لأجل إحداث «التغيير» الذي كان روح الشعر وقلب حملته الانتخابية السابقة التي أوصلته للبيت الأبيض، بينما اتخذت مجلة «تايم» الرصينة المحسوبة على التيار اليميني والمحافظ موقفا آخر وقدمت تحليلا لعقل ميت رومني، كان تحليلا دقيقا ومتكاملا، ولكن قدم رجلا لا يمكن الاعتماد عليه ولا تصديق ما يعد به. والخلاصة أن أميركا نفسها منقسمة جدا بين المرشحين، وأنه يبدو واضحا أن الانتخابات كنتائج ستكون متقاربة جدا وستحسم في اللحظات الأخيرة جدا.

وفيما يتعلق بملف الشرق الأوسط لم يحدث شيء أبدا في عهد أوباما، الاستيطان السرطاني الإسرائيلي على أرض فلسطين لم يتوقف، بل كان الأكبر، وتم تقديم أكبر حفنة مساعدات لإسرائيل في تاريخ العلاقات الأميركية معها، أعيد وأكرر في تاريخ العلاقات الأميركية معها، وبالتالي حجج رومني على أوباما أنه ليس بصديق لإسرائيل، وأنه له مواقف عدائية معها، هي هراء تام. وصول رومني للبيت الأبيض ووجود نتنياهو في الحكم في إسرائيل سيكون بمثابة زيادة الطين بلة؛ نظرا لعلاقة الصداقة القوية التي تربط بين الاثنين (هل هناك أحد في كامل قواه العقلية وبضمير حي من الممكن أن يصادق أصلا شخصية مثل نتنياهو؟).

ستكون الانتخابات الأميركية ذات ختام مثير يتسلى به الناس حول العالم، مثل الأولمبياد كل أربع سنوات، ولكنه مشهد حضاري جميل تتحقق فيه نظريا على الأقل إرادة الشعب، ولكن تبقى المصالح الكبرى هي محرك الأمور الأول، وهي هناك أقوى من إرادة الشعب نفسه.