تعقيدات الوضع في سوريا

TT

هل هناك أي شيء غير طبيعي في جهاز استخبارات بلد يخبر برلمانيي منطقة حدودية بأن عليهم اتخاذ تدابير أمنية وبأنهم سيحسنون صنعا إذا تجنبوا السفر إلى المنطقة لبعض الوقت؟ إذا كانت هناك حرب أهلية دائرة في البلد المجاور، وإذا أصبحت تركيا «استراحة مجانية الدخول» بالنسبة للاجئين الفارين من الحرب، بالإضافة إلى جميع العناصر الأخرى التي تقود المنطقة إلى أن تصبح منطقة سريعة الانفجار، إذن فلا يمكن أن يكون هناك أي شيء غير طبيعي في «خدمة» كهذه من جانب جهاز استخبارات.

وإذا كان هذا التحذير الاستخباراتي قد جاء إلى النواب قبل أيام قليلة فحسب من عيد ديني هام مع تقدير «بوجود احتمال كبير في أن تقوم عصابة الانفصاليين بتنفيذ عمل يهدف إلى الإثارة»، لكان يتعين بالطبع أن يؤخذ هذا التحذير بمنتهى الجدية.

والشيء غير الطبيعي هو أنه إذا كانت السلطات المعنية في تركيا لديها بعض المعلومات الاستخباراتية بأن هذه العصابة ستنفذ «عملا يهدف إلى الإثارة» في مناطق متأثرة بالحرب الأهلية السورية، فلماذا لم يمكن منع تفجير السيارة المفخخة في غازي عنتاب وإنقاذ حياة عشرات المواطنين؟ هل من الممكن أن فريق الاستخبارات كان مشغولا بمتابعة منتقدي الحكومة؟ ألم يكن رئيس فريق الاستخبارات هو الذي أخبر «مفاوضي» حزب العمال الكردستاني، وذلك بحسب تفاصيل محادثات أوسلو التي تم «تسريبها»، بأنه كان على علم بأن هذه العصابة حولت المدن التركية إلى مخازن للمتفجرات؟

ومع «تسريب» معلومة عقد هذه المفاوضات بين الحكومة والعصابة، انهارت «عملية أوسلو» تماما. فماذا فعل جهاز الاستخبارات منذ ذلك الحين لتطهير المدن من مخابئ المتفجرات تلك التابعة لحزب العمال الكردستاني؟ أو - إذا تحدثنا عن واقعة أحدث - هل تمت إزالة السيارة المشحونة بالمتفجرات من أمام مركز الشرطة للاشتباه في أن تكون سيارة مفخخة؟ هل هناك أي قيمة في أن يقول بشير أتالاي: «كنا نعلم من أين جاءت السيارة، ومن استأجرها، وكيف أحضرت إلى المكان الذي انفجرت فيه قبل الواقعة»؟ بحق السماء، لماذا يوجد لدينا جهاز استخبارات ولماذا ننفق كل هذه الأموال على الاستخبارات إذا لم نكن سنعلم بهذه التفاصيل إلا بعد وقوع انفجار وبعد القتل الشنيع لمواطنينا؟

بالطبع، تقول المعلومات الاستخباراتية إن تركيا أصبحت «استراحة مجانية الدخول» بسبب الحريق المشتعل في الجارة سوريا، وبسبب السياسة الكريمة التي تنتهجها الحكومة في «الترحيب بجميع الضيوف»، حيث لم يتم إنفاق 250 مليون دولار حتى الآن على «الضيوف» الذين هم «لاجئون» فحسب، بل إنهم رسميا لا يعتبرون لاجئين لأن تركيا لا تقبل لاجئين من الشرق وبالتالي لا يمكنها رسميا أن تطلب مساعدات دولية. وعلى هذا النحو، فإن تركيا قامت باستيراد الأزمة السورية أيضا، حيث أصبحت مدينتا هاتاي وغازي عنتاب تعجان بالعناصر من جميع الأنواع، وأصبحتا غير آمنتين إلى حد بعيد.

وما هو أسوأ من ذلك أن دافع التضامن مع السنة لدى الحكومة الإسلامية في أنقرة جعل من تركيا «جبهة» في الحرب الأهلية السورية، حيث بدأ مواطنون أتراك يتعرضون للاختطاف (في لبنان على سبيل المثال)، بل إن الأسوأ والأسوأ هو انتقال الهجمات الإرهابية الانفصالية من المناطق الحدودية العراقية إلى المناطق الحدودية السورية. وبطبيعة الحال، فقد كان وجود فراغ في السلطة داخل العراق هو أحد أسباب تزايد الهجمات التي تشنها العصابة عبر الحدود، كما شاهدنا على مدار العقد المنصرم. والآن، أصبحت هناك 5 بلدات حدودية في سوريا تقع تحت سيطرة التنظيم المحلي للانفصاليين هناك، ولا تمتلك الإدارة المركزية السورية أي سيطرة على منطقة الحدود، وبالتالي انتقلت هجمات هؤلاء الانفصاليين عبر الحدود إلى المناطق الحدودية السورية.

إن سكب الزيت على النار عند الجيران قد يثبت في النهاية أنه مكلف للغاية.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية