أفضل من هذه الشجاعة

TT

في الأسابيع الأولى من المأساة السورية كتبت هنا في صيغة التمني على الرئيس بشار الأسد، أن يصغي للناس وليس لمستشاريه، وعلى صعيد شخصي قلت للوزير اللبناني السابق ميشال سماحة (ولدبلوماسيين سوريين) إن الرئيس السوري يتعامل مع الأحداث كأنها أمطار متفرقة تسقط في المواسم، وأرجو أن تلفت نظره إلى أن ما يجري هو عاصفة. والحكمة البسيطة تقضي بالانحناء أمام العاصفة وتركها تمر. مواجهتها ستؤدي إلى كارثة.

كنا جميعا نشعر آنذاك أن الرئيس السوري محاط بمجموعة تهول عليه آثار اللين وتسخر أمامه من صلابة الاعتراض. وقلت يومها لدبلوماسي سوري صديق، أرجو أن تنقل للرئيس أن الأمرين خطأ فادح. قل له هذا رأي مواطن من لبنان وهو – أي أنا – يعبر عنه ليس ضنا بسوريا فقط بل خوفا على انتقال النار إلى لبنان.

النصائح ليست من شأن الصحافيين، ولذا قلت إنه رأي مواطن. وأما الكتابة يومها في صيغة التمني، فهو نوع متخلف من الصحافة، وضرب ممجوج من الادعاء. لكنني كنت أريد أن أسجل لنفسي موقفا أخلاقيا في زمن التلاطم والانحدار إلى دروب الدمار. وكنت أخشى أن الذين يحيطون عادة بالرؤساء العرب، يجدون في الحكمة عيبا، وفي إرضاء الناس جبنا.

انطلقت يومها من قول الأسد إلى «وول ستريت» أن نظامه «محصن» لأنه على «تواصل دائم مع الناس». لكن كل يوم، وبعد كل خطاب، كان يبدو أن الرجل فقد صلته بالناس، وطرب للنائب الذي هتف في مجلس الشعب أنه خُلق لكي يكون رئيسا على العالم وليس على سوريا وحدها.

إضافة إلى «العصابات المسلحة» راح الإعلام السوري يقول إن الذي يحرك الاعتراض المتزايد في أرياف سوريا، هم سعد الحريري والنائبان عقاب صقر ومحمد الجراح. وفي رعونة غير مسبقة ذكر الإعلام أن عقاب صقر شوهد يوزع السلاح في بانياس وأن الجراح يقوم بتهريب الأسلحة عبر الحدود.

عقاب صقر يعيش منذ شهور طويلة خارج لبنان خوفا على سلامته، وسعد الحريري الذي يفترض أنه يمول الثورة السورية ويحركها غير قادر على العودة إلى بيروت. إذا كان قادرا على تحريك «مؤامرة كونية» على سوريا، لماذا لا يبدأها بتشكيل حكومة في لبنان؟ لم يكن الإعلام السوري يسيء إلى الثورة ويموه الحقيقة على الآخرين، بل على الدولة السورية التي صور لها أن ما يجري ليس سوى نزهات عابرة إلى البلاد يقوم بها محمد الجراح وعقاب صقر حاملين أسلحة زودهما بها سعد الحريري.

أربعة آلاف قتيل الشهر الماضي وحده. الآن أشعر أن التمنيات على الرئيس السوري بتدارك العاصفة لم تكن ضربا متخلفا من الصحافة أو حكمة الجبناء. بل أفضل بكثير من هذه الشجاعة.