نستطيع إقامة سلام دائم في أفغانستان

TT

يمكننا بالفعل أن نحقق ما شرعنا في القيام به في أفغانستان، ألا وهو هزيمة «القاعدة» وحرمانها من أهم ملاذاتها الآمنة، ولكن هذا يعتمد على بناء أفغانستان تستطيع أن تقف بمفردها.

شاركت في احتفال أقيم مؤخرا في أفغانستان بمناسبة الذكرى الـ93 لحصول البلاد على الاستقلال؛ حيث راودني إحساس كبير بالدهشة من الأمل والرغبة التي بدت على المواطنين الأفغان لتعزيز هويتهم الوطنية وتصميمهم على تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم. لا يتفهم معظم الأميركيين مدى التزام المواطنين الأفغان تجاه بلدهم أو التحسن الجاري في الأوضاع الأمنية الذي نجم عن خوضنا الحرب جنبا إلى جنب، ولكنني أتفهم هذا الأمر جيدا، وأثق تمام الثقة في قدرتنا على تعزيز مكاسبنا في هذا الجزء من العالم شديد الحيوية بالنسبة للأمن القومي الأميركي، وذلك بمساعدة المجتمع الدولي بالقطع.

لم تصل أفغانستان إلى هذه اللحظة التاريخية من قبيل المصادفة أو بضربة حظ، وإنما في أعقاب وقوع بعض الأحداث الجسام؛ مثل تنامي قوة وقدرة قوات الأمن الأفغانية وتوقيع شراكات استراتيجية ثنائية متعددة الأطراف وتعهد المجتمع الدولي بتقديم دعم كبير لأفغانستان في العقد المقبل.

لقد تم تحقيق هذه الإنجازات العظيمة على خلفية النجاحات الملحوظة التي حققتها قوات التحالف والقوات الأفغانية أيضا، سواء الذين يقاتلون في أفغانستان الآن أو أولئك الذين غادروها من قبل؛ حيث تسببت تضحياتهم الهائلة في تهيئة الظروف الأمنية التي خلقت شعورا حقيقيا بالثقة في أوساط الشعب الأفغاني في نهاية المطاف.

لن نسمح للهجمات التي تشنها القوات الأفغانية على قوات التحالف، والتي حظيت بالكثير من الاهتمام في الفترة الأخيرة، بإفشال الجهود التي نبذلها. تعتبر كل واقعة من هذه الهجمات مأساة في حد ذاتها، ونحن نحزن كثيرا على كل هذه الخسائر. دائما ما كنت حاضرا في المطارات عندما كنا نقوم بإرسال جثث أبطالنا الذين لقوا حتفهم إلى ديارهم، فضلا عن أنني أعتبر أن كل خسارة في أفراد القوة الدولية للمساعدة الأمنية (إيساف) هي خسارة شخصية بالنسبة لي.

يقوم القادة الأفغان والدوليون على جميع المستويات بتكريس المزيد من الوقت والجهد، بصورة غير مسبوقة، للحد من خطورة هذا التهديد؛ حيث قمنا بتنفيذ بعض التدابير لتحسين وسائل حماية قواتنا وقدمنا كثيرا من المساعدات في بناء قوة أمن أفغانية يقارب عددها 350.000 مقاتل حتى تمكنت القوات الأفغانية من قيادة العمليات الأمنية في ثلاثة أرباع البلاد، وهو التقدم الذي لا رجعة عنه.

ولكن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في الهجمات التي تشنها القوات الأفغانية على القوات الدولية؛ حيث يعمل مئات الآلاف من أفراد الجيش والشرطة في أفغانستان جنبا إلى جنب مع قوات التحالف بصورة يومية على هزيمة أعدائنا المشتركين وحماية السكان المدنيين. نحن نعمل معا بشكل وثيق في كثير من العمليات التي تهدف لتوفير الأمن للمواطنين الأفغان.

يؤدي التركيز المتزايد على الهجمات التي تشنها القوات الأفغانية على القوات الدولية إلى تهميش عمليات الذبح الوحشية للمواطنين الأفغان التي تقوم بها قوات المتمردين بقيادة محمد عمر، صاحب اليدين الملطختين بدماء الأبرياء. يزعم محمد عمر أنه دائما ما يأمر مقاتليه بعدم مهاجمة المدنيين، وهو ما يكشف بما لا يدع مجالا للشك أنه إما أن يكون قد فقد كل صلة له بالواقع أو أن قواته قد خرجت عن سيطرته. ربما لن يكون من المستغرب أن نقول إن محمد عمر يعيش في باكستان، مثل كثير من قادته. وانطلاقا من هذه المكان الآمن، يقوم بإرسال المئات من الشباب المتحمس والمتدين والبائس كي يلقوا حتفهم أو يتم اعتقالهم في أفغانستان.

وفي الوقت الذي تحدث فيه هذه الخسائر، تقوم القوات الدولية والأفغانية بنقل معركتهما إلى العدو الأحمر، حركة طالبان، بينما يرد العدو هذا الهجوم من موقف ضعف؛ حيث تم طرد قوات حركة طالبان من كثير من المناطق المأهولة بالسكان وغيرها من المناطق ذات التضاريس الوعرة في أفغانستان.

يفقد محمد عمر مصادر الدعم المادي التي كان يتلقاها من مموليه، وهو ما يرجع إلى قيام هؤلاء الممولين بإرسال أموالهم إلى أماكن أخرى فضلا عن انخفاض أرباحه من المخدرات، وذلك بفضل الجهود التي تبذلها القوات الأفغانية والدولية للقضاء على نبات الخشخاش.

وأخيرا، يتزايد عدد وكفاءة قوات الأمن الأفغانية بصورة مطردة؛ حيث وصلت المنطقة التي تسيطر عليها القوات الدولية والأفغانية إلى المناطق التي كانت تقع سابقا تحت سيطرة طالبان، والتي كان من الصعوبة بمكان الوصول إليها سابقا. ومع كل عملية اغتيال أو سلب ونهب أو غيرها من العمليات الوحشية التي تتم ضد المواطنين الأفغان الأبرياء، يبتعد المتمردون شيئا فشيئا عن المواطنين الأفغان وحتى عن تعاليم عقيدتهم؛ لأن الإسلام يحرم تماما قتل المدنيين الأبرياء أو الاستفادة من عوائد المخدرات والجريمة.

أدت هذه الأمور إلى قيام الشعب الأفغاني بتنظيم صفوفه لطرد قوات طالبان المكروهة خارج قراهم. ظهرت هذه النزعة في المناطق التي تسببت سيطرة طالبان الكاملة عليها في خلق موجة شعبية مناهضة للمتمردين.

تعد هذه الاتجاهات أبلغ تعبير عن المستقبل في أفغانستان، ولكن ينبغي على المجتمع الدولي أن يعلم أن المكاسب التي تم تحقيقها هشة للغاية ومن الممكن أن تتعرض لانتكاسة إذا فقدنا إرادتنا في تحقيق النجاح.

سوف تستمر القوات الأميركية والأفغانية والدولية في التعامل مع الهجمات التي تشنها القوات الأفغانية على القوات الدولية، وسوف نحزن على قتلانا، ولكننا لن نسمح لهذا التهديد أن يعرقل التقدم الذي أحرزته القوات الأفغانية وقوات التحالف. نحن عازمون أيضا على المضي قدما في حماية السكان المدنيين والقوات الدولية من ويلات الهجمات التي يشنها متمردو حركة طالبان.

لن ينتهي هذا الصراع قريبا، ولكن الحل الأمثل له يكمن في زيادة قوتنا وليس في أحداث العنف التي تشنها القوات الأفغانية ضد القوات الدولية. نحن نقف وراء قضية عادلة ونتمتع بإرادة قوية ولن تضيع التضحيات التي قدمناها هباء؛ لأننا بالقطع سوف ننتصر.

* قائد القوة الدولية للمساعدة الأمنية (إيساف) التابعة لحلف شمال الأطلسي والقوات الأميركية في أفغانستان

* خدمة «واشنطن بوست»