جاذبية العقارات البريطانية ومستثمرو الشرق الأوسط

TT

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، ركز هذا المقال على أولمبياد لندن بغية تسليط الضوء على بعض أفضل الفرص المتاحة في بريطانيا العظمى. ربما يتعين علينا أن نعود هذا الأسبوع إلى المشكلات السيادية في العالم، وسوف أستعرض دور العقارات في هذا. تعتبر العقارات أيضا فئة من الأصول التي تتمتع بشعبية كبيرة بين مستثمري الشرق الأوسط.

بدأت سوق العقارات في الشرق الأوسط مرحلة إصلاح ضرورية في عام 2010 مع زيادة الطلب من جانب القطاع السكني. وهذا الطلب يأتي في الأساس من قطاع السكان صاحب الدخول المنخفضة والمتوسطة، ومن ثم، تركز شركات التنمية العقارية الآن على إنشاء مساكن أسعارها معقولة واقتصادية. من المتوقع أن تكون سوق العقارات في الشرق الأوسط واعدة مع النمو المستقر على المدى الطويل نتيجة زيادة الطلب المحلي على العقارات السكنية منخفضة الأسعار والقوانين الحكومية المشجعة ونمو الاستثمارات الحكومية. ربما توفر بعض الدول في الشرق الأوسط للمستثمرين فرصة النمو خلال فترة العام المقبل أو ما بعده.

إن سوق العقارات في السعودية تشهد معدل نمو قوي في الأساس نتيجة لزيادة الطلب المحلي على العقارات السكنية. إضافة إلى ذلك، فإن وفود الحجاج والسياح إلى الدولة قد دفعت السوق في الماضي القريب، وأدت لارتفاع معدلات الإشغال في مراكز التسوق بالتجزئة وغرف الفنادق. لكن هل هناك دروس يمكن أن نستفيدها من مناطق أخرى؟

من المرجح أن تكبح أزمة الدين الأوروبية جماح أسعار العقارات عبر منطقة اليورو؛ في الولايات المتحدة، ما زالت السوق في حالة من الكساد، وفي الصين وهونغ كونغ تشهد أسعار العقارات انخفاضا حادا. ما زالت بريطانيا العظمى توفر فرصا للمستثمرين من خلال السيولة النقدية والجرأة والمنظور بعيد المدى. سوف يكون هناك طلب كبير على الأصول «الآمنة» عالية الجودة، خاصة تلك التي تدر عائدا إيجابيا.

منذ أواخر عام 2009، نمت المخاوف من أزمة الدين السيادي بين المستثمرين مع ارتفاع مستويات الدين حول العالم. وقد اختلفت أسباب الأزمة من دولة لأخرى. في العديد من الدول، تم تحويل الديون من فقاعة عقارية إلى دين سيادي.

لقد كان ارتفاع سعر العقارات في إسبانيا خلال العقد الماضي سببا رئيسيا وراء الأزمة المالية التي شهدتها تلك الدولة. تعتبر قروض إجمالي قيمتها 80 مليار يورو منحتها بنوك إسبانية لقطاعات البناء والعقارات في الدولة عديمة القيمة تقريبا، وهناك خطر كبير ممثل في العجز عن سداد قيمتها. امتلكت البنوك احتياطيا نقديا يقدر بخمسين مليار يورو يمكن أن يعوض مثل تلك الخسائر. قد تسجل أسعار المساكن الآخذة في الانخفاض بسرعة انخفاضا آخر نسبته 35 في المائة، الذي قد يقضي على عائدات البنوك ويحفز على استعادة الديون المعدومة. منحت معظم بنوك الادخار الإقليمية كما هائلا من القروض لشركات العقارات، التي أشهرت إفلاسها في نهاية فترة الفقاعة. وقد أصبح ما تبقى لبنوك الادخار الإقليمية هو ضمان القرض وممتلكات تلك الشركات؛ فعليا عقارات باهظة الأسعار وأراض في مناطق سكنية التي كانت عديمة القيمة، مما تسبب في إشهار بنوك الادخار الإقليمية إفلاسها في الأساس. وأشار تدقيق حسابات أحد البنوك الرئيسية إلى حجم المشكلة.

يأتي الدين الحكومي في إسبانيا بالأساس من شراء البنوك الإسبانية سندات حكومية إسبانية: وجود قطاع مصرفي مفلس يعني عدم وجود مشترين للدين الحكومي الإسباني، إلا بأسعار فائدة ضخمة. وكان المخرج هو مخاطبة المشكلة المصرفية. وقد أعادت دول أخرى في منطقة اليورو رسملة البنوك في إسبانيا من خلال عملية إعادة تمويل طويلة الأجل للبنك المركزي الأوروبي.

وهذه المشكلة المتعلقة بالعقارات ليست قاصرة على أوروبا وحدها. فهناك فقاعات مماثلة في العديد من الدول الأخرى، من بينها الصين. وتتركز فقاعة العقارات الصينية في قطاع العقارات السكنية والتجارية.

بدأت الفقاعة في الانكماش أواخر عام 2011 عندما بدأت أسعار المساكن في الانخفاض، في أعقاب سياسات للاستجابة لشكاوى من عجز الطبقة المتوسطة عن تحمل تكلفة المساكن في المدن الكبرى.

وينظر إلى انكماش فقاعة العقارات باعتباره أحد الأسباب الرئيسية لهبوط النمو الاقتصادي في عام 2012.

قبل وقت قصير من انفجار فقاعة الإسكان في أميركا، رأى الخبراء عبر أنحاء العالم أن العالم قد وصل إلى عتبة من النمو الاقتصادي، لم تعد فيها قواعد الاقتصاد السابقة سارية. وقد قيل المثل عن الازدهار الحالي في الصين، خاصة في ما يتعلق بسيطرة الدولة بدرجة كبيرة من أعلى لأسفل على الاقتصاد، الأمر الذي يمكنها بدرجة ما من تجاهل قوانين الاقتصاد.

وفي عام 2008، بهدف العودة إلى مستويات نمو ما بعد الأزمة، أعلنت الحكومة الصينية عن «استثمار» حجمه 586 مليار دولار للغرض نفسه.

وعندما تزعم الحكومات أنها «تستثمر» في شيء، على المرء دائما أن يضع مكانه كلمة «إنفاق» أو «طباعة أموال». وحتى عندما توجه حسابات الأرباح والخسائر تلك «الاستثمارات»، فما زال رأس المال يأتي من فرض الضرائب أو معدل التضخم لا من المدخرات الطوعية. وهناك سبب قوي للاهتمام بشأن الصين. فقد أشارت دراسة أجريت الصيف الماضي من قبل جامعة بكين للتكنولوجيا إلى أن تكلفة شقة عادية في بكين تزيد بقيمة 22 مرة عن متوسط الدخل في المدينة، فيما كانت التكلفة تزيد 18 مرة عن متوسط الدخل في شنتشن. وعلى مستوى وطني، خلصت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية العام الماضي إلى أن تكلفة عقار صيني عادي تزيد بمقدار 8.8 مرة عن متوسط الدخل. يأتي هذا مقارنة بزيادتها بقيمة 5.5 مثل متوسط الدخل في المملكة المتحدة في عام 2007 و4 أمثال في عام 2009. في الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار المساكن لأكثر من خمسة أمثال متوسط الدخل إبان فقاعة الإسكان التي شهدتها، بحسب مؤشر «ستاندارد آند بورز - كيس تشيلر».

وكما في دبي، يكون هناك تهافت على غالبية مشروعات التنمية العقارية الصينية الجديدة قبل إنشائها. إن المشترين بمثابة مضاربين تجاريين لا يقومون بتأجير العقارات، أملا في أن تدر عليهم عائدات أكبر إذا ما قاموا بشرائها ثم بيعها على الفور بسرعة في ظروف أفضل في المستقبل.

بالفعل ثمة دروس يمكن أن نستفيدها من إخفاقات السوق الحالية. ما زال الشرق الأوسط يطور نماذجه لسوق الإسكان منخفض التكلفة. وتجسد دبي والصين وإسبانيا والعديد من الدول الأخرى مخاطر السيطرة غير الملائمة على الإقراض؛ وخطط العمل غير الكافية ودراسات السوق القوية من قبل شركات التنمية العقارية؛ والابتكارات الحكومية التي لم تتم تجربتها.

عودة أخيرا إلى بريطانيا العظمى.. ما زالت هناك إمكانات هائلة في سوق شراء العقارات للتأجير بسبب زيادة عدد الأفراد غير القادرين على سداد تكلفة منزلهم الخاص. يمكن إيجاد طلب في كل مدينة، ولكن فهم الديناميكيات المحيطة به أمر حاسم. في معظم الأماكن، سيكون هناك نوع معين من العقارات التي دائما ما يكون هناك طلب عليها، وفي كلتا الحالتين، ستكون فترات انعدام طلب، وربما تؤثر بشكل إيجابي على الدخول. تحدث مع المتخصصين المحليين وتعرف على العقارات التي يوجد نقص في المعروض منها، بدلا من مجرد تحديد ما تفضله. فقط ضع في حسبانك أهدافك. هل تتطلع إلى نمو رأس المال أو دخل شهري؟ كن واضحا بشأن استراتيجية خروجك.

في لندن، تعتبر شقة بها غرفتا نوم من الأصول السائلة، لأنه دائما ما يكون هناك طلب عليها من جميع أنواع المشترين، ومن ثم، فإن دورة التسويق والمبيعات تكون قصيرة نسبيا. وعلى الرغم من ذلك، فإنه في مدن أخرى، يكون إسكان الأسرة صفقة مربحة بدرجة أكبر، نظرا لأن هناك وفرة في المعروض من الشقق. احسب الفترة التي ترغب في الاحتفاظ بالعقار خلالها والعقارات التي تعتبر «أصولا سائلة» في المنطقة.

عملت لبضع سنوات مسؤولا تنفيذيا رفيع المستوى في شركة تنمية عقارية مدرجة في لندن تتمتع بتصنيف ائتماني ممتاز. كان نجاحها راجعا إلى استثمارها في أفضل المستشارين وفي دفع الأجر المناسب لهم مقابل تلك الاستشارة. كانت تلك الشركة متقدمة بأعوام عن زمنها. أعتقد أن العقارات ما زالت فئة معقولة من الأصول، لكن زادت صعوبة تحقيقها النجاح منذ حدوث الأزمة المالية. ما زال العديد من شركات التنمية العقارية لا يفهم ذلك أو لا يدرك أهمية دفع مقابل لمن يظنهم البعض، على نحو خاطئ، مستشارين باهظي التكلفة. سوف يستمرون في ارتكاب العديد من الأخطاء المكلفة، وهم ليسوا في حاجة لذلك!

* أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن ميتروبوليتان» رئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»