حول التدخل العسكري التركي المباشر

TT

المشهد من بعيد كان موجعا حقا.. قبل نحو أسبوعين وقف الشيخ عباس زغيب المتابع لملف المخطوفين اللبنانيين وكبار عشيرة آل المقداد أمام العدسات ليرددوا أن المحتجزين موجودون في تركيا ويهددون «باستضافة» أتراك على ولائم الكباب والشيش طاووق والدوندرمة لمقايضتهم.. ثم ينفذون ما قالوه.

المشهد من بعيد كان موجعا حقا بعد أسبوعين على هذه التطورات.. طائرة تركية خاصة تحط في مطار بيروت الدولي لتنقل أحد المحتجزين المفرج عنهم بوساطة تركية وتعود أدراجها فارغة تاركة الرهائن الأتراك بين يدي «مستضيفيهم». وزير الداخلية اللبناني مروان شربل يشيد بالجهود التركية الكبيرة من أجل الإفراج عن المحتجز حسين علي عمر الذي قبل ارتداء ربطة عنق تحمل رموز العلم التركي تقديرا لدور أنقرة الإيجابي وما بذلته حكومة أردوغان من مساع من أجل إطلاق سراحه، لكن الصورة تكاد تقول إن الحكومة التركية تحولت من وسيط إلى هدف بعدما اتهمها الشيخ زغيب بتحريك الجهات التي أقدمت على خطف اللبنانيين وحملها المسؤولية الكاملة في موضوع إعادتهم سالمين إلى أهلهم. تفاعلات الأزمة السورية وتشعبها يوما بعد آخر هو الذي يترك الحكومة التركية أمام امتحان يومي من هذا النوع.

حكومة أردوغان في وضع حرج لا تحسد عليه بعد أشهر طويلة من اندلاع الثورة في سوريا.

استطلاعات الرأي التركي تقول إن غالبية الأتراك ضد أي عمل عسكري في الأراضي السورية، وإذا كان لا بد منه فينبغي أن يكون محدودا وجزءا من تحرك دولي شامل بهذا الاتجاه.

المعارضة التركية تضرب على الوتر الحساس فشل ذريع لاستراتيجية تصفير المشاكل. أما الإعلام فهو ملهي بمطاردة أخبار الهجمات اليومية لحزب العمال الكردستاني ووصول السياسة التركية في سوريا إلى الطريق المسدود، ولا كلمة - تقريبا - عن الرهائن التركية في لبنان.

أنقرة أيضا لا بد أن تتحمل جزءا من مسؤولية «تحريك» الثوار قبل 18 شهرا وطمأنتهم بأن السقوط سيكون سريعا وكاملا، لكنها بدأت تتردد أمام تهديدات الأسد الذي نجح في إلهاء الأتراك بملفات الأكراد ومشروع التآمر على سوريا ووحدتها وأزمة المخطوفين واللاجئين والتلويح بالتركيبة الاجتماعية العرقية الحساسة لتركيا مستفيدا من الدعم الروسي الإيراني الصيني اللامحدود.

لمن ستعطي تركيا الأولوية بعد هذه الساعة.. لانطلاقة جديدة بتوقيع الأخضر الإبراهيمي الذي قطع عليه وزير الخارجية السوري الطريق بقوله إن دمشق لن تتفاوض مع المعارضة إلا بعد تطهير البلاد من المسلحين؟

أم لمجلس الأمن الدولي المكبل اليدين؟ أو لإيران ربما، علها تخرج تركيا من الورطة السورية عبر مشروع وساطة يجري الترويج للإعلان عنه في قمة مجموعة دول عدم الانحياز؟

أم لتحرك مصري مفاجئ رباعي كما يقال؟

أم أنها ستنتظر نتائج الانتخابات الأميركية والإدارة الجديدة لتحدد سياساتها ومواقفها حيال ما يجري في سوريا؟

أم أنها تراهن على الفرج وحبل الخلاص من دمشق نفسها التي نجحت كما يبدو في تفجير علاقات أنقرة مع كثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية وهي تعرف تماما أنها في النهاية تكون قد منحت الرئيس السوري المزيد من الوقت والفرص للمضي في استراتيجية الحرب التي يشنها عليها قبل أن يكون يخوضها مع الثوار أنفسهم؟

بعض المتشددين الذين يرفضون أي تحرك عسكري تركي ضد سوريا، يعرفون تماما أن تركيا لن تتدخل سوى بقرار عربي غربي مشترك يدعمها ويشجعها على ذلك، ويعرفون أيضا أنها باتت تمتلك كثيرا من الأسباب والموجبات ويبدو أننا نقترب أكثر فأكثر من مفاجأة بهذا الاتجاه على الرغم من كل مخاطرها، فخطوات الحظر الجوي والمنطقة العازلة تقف على مسافة بعيدة جدا من تقدم النظام في مسيرة القتل والتدمير.