من الفائز؟

TT

استفزني القارئ الكريم محمد أحمد محمد من مصر، بعتابه على سكوتي عن الأولمبياد رغم وقوعه قريبا من بيتي بلندن. ومعه حق، وها أنا أستجيب لسؤاله. وأول السؤال هو من الفائز فيه؟ يقولون إنها أميركا، فالصين، فبريطانيا. وأقول كلا.. الفائز الحقيقي هو النظام الرأسمالي. فكل من أنفق الكثير فاز بالكثير. فبريطانيا التي فاجأت العالم بعدد ما كسبته من جوائز حققت هذه النتيجة بالملايين التي أنفقتها على إعداد وتدريب أبطالها (نحو 250 مليون باوند). فالمفترض أن الأولمبياد مقصور على الهواة، لكن هؤلاء الهواة قضوا كل هذه السنوات الفائتة بالاعتماد على المعونات في معيشتهم وتدريبهم. كانوا في الواقع أشبه بالموظفين لدى المؤسسات الرياضية التي تبنتهم وكرستهم للفوز.

ولهذا جاء معظم الفائزين في الأولمبياد من الدول الغنية.. فليس للفقير مكان فيه. فالأولمبياد أصبح أشبه بمشروع تجاري تكسب فيه بقدر ما تستثمر.

والمنافسة هي المنافسة الرأسمالية ذاتها، وفيها انشغل الإنجليز بهذه الأسئلة: كم كسبنا من بيع التذاكر، ومن الإعلانات، ومما صرفه الوافدون، ومن تسويق بريطانيا كدولة جبارة بصناعاتها وتقنياتها وبراعة تنظيمها؟ وأخيرا هل كسبنا أكثر مما أنفقنا؟ كان الفائزون مجرد أوراق في اللعبة.

وفي هذه اللعبة كثير من الدروس. كل ما شاهدته فيها من مشاركات يقفزن ويركضن ويسبحن ويقمن بأبرع ما يمكن من الجملاستيكيات والحركات الخارقة جعلني أفكر في نسائنا اللواتي شاهدن هذه المناظر على شاشات التلفزيون، ما الذي فكرن فيه في هذه المقاربة وهن ينظرن إلى ما قامت به هؤلاء الرياضيات من تعبير عن جرأة المرأة وشجاعتها وقدرتها وبراعتها.

يعطينا كسب الذهبيات دروسا ثمينة في دور روح المثابرة والاستمرارية والتركيز وتكريس النفس وتطويع الإرادة في نيل المبتغى، وكلها دروس ما أحوجنا إليها. فكل ميدالية هي محصلة سنين من التفرغ الذهني والجسمي من دون أي ملل أو راحة.

يجسم الأولمبياد الروح الديمقراطية بأنصع صورها. البطل الأول الذي أعطته بريطانيا الصدارة وضجت بذكره كان محمد فرح، المسلم الأسود الذي وفد من الصومال لبريطانيا في طفولته. فقد تعهده الإنجليز وأنفقوا على تربيته وإعداده، وجعلوا منه قمة من قممهم.

لم يقولوا هذا عبد أسود، أو مسلم إرهابي، أو دخيل أجنبي. عشرات الألوف من الغربيين البيض وقفوا على أقدامهم يهتفون ويصفقون ويشجعون هذا الصومالي. وينتهي الشوط فيحتضن المشاركون بعضهم بعضا.

الصيني الأصفر والأفريقي الأسود والأميركي الأبيض، تجمعهم روح المحبة والأخوة والتآلف. الأولمبياد خير استعراض لأخوة بني الإنسان.

وفي الأولمبياد عكس الفشل العربي واقع عالمنا العربي والإسلامي المؤسف. ذهبيتان فقط لنحو ثلاثين دولة، وألف مليون نفس! مؤامرة استعمارية أخرى.. لم يضم الأولمبياد مسابقات في الصياح والكلام والنهب والخطف.