نفرتيتي.. متى تعودين؟ ()

TT

في عام 2002، تم تكليفي إدارة الآثار في مصر، ووجدتها فرصة لتحقيق حلمي بإنشاء إدارة خاصة لاسترجاع آثار مصر المنهوبة تضم آثاريين وقانونيين أكفاء، وتعمل وفق نظام جمع البيانات وتحقيقها، وعمل ملفات استرجاع ومطالَبة للدول والجهات الحائزة آثارا مصرية مسروقة. واستطعنا، بالجهد والتوفيق من الله، أن نستعيد أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية خرجت من مصر بطريقة غير شرعية. ليس هذا فقط، بل استطعنا وقف صالات المزادات الكبرى، خاصة بإنجلترا وأميركا، من التعامل مع قطع أثرية وفنية مسروقة من مصر. وجنينا ثمار العمل الجاد، ليس فقط باستعادة الآثار، وإنما باكتساب احترام الدول والشعوب، حتى إن الدول التي تعاني نهب تراثها طلبت منا رسميا مساعدتها في استعادة آثارها، ومثال على ذلك مساعدتنا لبيرو في استعادة آثارها المنهوبة من المدينة القديمة ماتشو بيتشو والموجودة في حوزة جامعة ييل بالولايات المتحدة الأميركية.

ومن خلال ما توافر لدينا من خبرات مكتسبة من تعدد وتنوع قضايا استعادة الآثار، أدركنا حقيقة أن القوانين الدولية والاتفاقيات في هذا الشأن لا تساعد الدول المنهوب تراثها بقدر ما تساعد الدول الكبرى في الإبقاء على ما لديها من آثار منهوبة؟! وكان لا بد لنا من تنويع وسائلنا لعودة آثارنا، ومنها بالطبع الضغط على تلك الدول والجهات المختلفة؛ إما بالتهديد بقطع التعاون الثقافي والعلمي معها، وخاصة أن لمعظمها بعثات أثرية تعمل في مصر؛ وإما بالتشهير بها وبكل جهة تقتني أثرا مسروقا ولا تريد إعادته إلى موطنه الأصلي. وأنا هنا أستخدم كلمة التشهير بمعناها ومدلولها، بمعنى تعريف العالم كله والمهتمين بقضايا التراث بأن هذه الجهة أو تلك تحوز أثرا مسروقا ولا تريد عودته إلى موطنه. لقد وصل بنا الأمر إلى أنني توجهت بنداء عبر كل وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية إلى مدارس مقاطعة سان لويس بالولايات المتحدة مطالبا إياها بالامتناع عن زيارة متحف سان لويس لأنه يعرض أثرا مسروقا من مصر وهو قناع جنائزي بديع للسيدة كا نفر.

وإلى جانب ملف الآثار المسروقة؛ قمت بالإعلان عن قائمة تضم قطعا لا مثيل لها، تمثل جزءا مهما من التراث المصري، نتمنى عودتها إلى مصر مرة أخرى، وهذه التحف هي: حجر رشيد بالمتحف البريطاني، ورأس الملكة نفرتيتي بمتحف برلين، والقبة السماوية أو الزودياك الموجود بمتحف اللوفر مقطوعا من سقف معبد دندرة، وتمثال المهندس المعماري حم إيونو مهندس الهرم الأكبر الموجود بمتحف هيلدسهايم بألمانيا، والتمثال النصفي للمهندس المعماري عنخ حا إف مهندس هرم خفرع والموجود حاليا بمتحف بوسطن، وأخيرا تمثال الملك رمسيس الثاني الموجود بمتحف تورينو بإيطاليا. وبالطبع، عارض الآثاريون الأجانب هذه القائمة التي سميتها قائمة التمني لمصر، وكانت أمنيتي أن أرى هذه التحف الفنية الفريدة معروضة في المتحف المصري الكبير المفترض افتتاحه في عام 2015، ورفض المتحف البريطاني عودة حجر رشيد أو حتى إعارته، بحجة أن القانون لا يسمح إلا بعد معرفة تأمين المتحف، وعرض اللوفر قطعة أخرى غير الزودياك، ورفض متحف بوسطن تماما فكرة العودة أو الإعارة، ورفض الألمان حتى مناقشة قضية نفرتيتي، بل قالوا: من يضمن لنا عدم قيام مظاهرات بميدان التحرير تطالب ببقاء نفرتيتي في حال وافقنا على إعارتها إلى مصر لحضور افتتاح المتحف الكبير؟! ووافق متحف هيلدسهايم على إعارتنا تمثال حم إيونو ليعرض بالمتحف المصري الكبير، وفي المقابل نقيم لهم معرضا للآثار بالمجان.. مواقف هذه المتاحف جعلتني أفكر في هؤلاء الآثاريين المصريين الذين كانوا في موقع المسؤولية وكانوا يتكالبون على إرسال آثار مصر المهمة في معارض خارجية بهذه المتاحف ومن دون أي مقابل مادي أو فائدة تعود إلى مصر.