لماذا نهبط على سطح القمر؟

TT

هاتفت أمس عالم الفضاء الأميركي المصري د. فاروق الباز الذي كان أحد أبرز من دَرَّبَ رواد الفضاء على الهبوط في مناطق محددة من سطح القمر والذي أسهم في اختيارها بحكم تخصصه في التصوير الفضائي، وذلك لأول رحلة يطأ فيها الإنسان سطح القمر عام 1969م. حملت إليه تساؤلات شغلت بال كثيرين لا سيما وهم يودعون قبل أيام نيل آرمسترونغ أول إنسان يقف على سطح القمر، ومن هذه التساؤلات: لماذا ينفق الإنسان مليارات الدولارات على رحلات وأبحاث الفضاء في حين يرزح نحو ربع سكان الكرة الأرضية تحت وطأة خط الفقر المدقع؟ ماذا لو تم إنفاق هذه المبالغ الطائلة على المحتاجين فهل سيبقى فقير على وجه الأرض لا يجد قوت يومه؟ ثم أين العرب من سباق غزو الفضاء الذين جلسوا فيه على مقاعد المتفرجين؟

كان رأي د. الباز أن سباق أبحاث الفضاء المحموم، الذي بدأ تدخل في ركبه بلدان جديدة، كان سببا مهما في تحقيق البشرية لقفزات علمية كبيرة ومنها ما هو ذو أبعاد اقتصادية كالأقمار الصناعية والاتصال الهاتفي الدولي (GSM) والراديو والتلفزيون، فكلها وسائل تطورت بصورة كبيرة بسبب أبحاث الفضاء. وصارحني بنبرة فيها حرقة وألم حينما قال، «الزعماء العرب كانوا وما زالوا لم يدركوا القيمة الاقتصادية للإنفاق على البحث العلمي» الذي يسهم بشكل كبير في تحسين حياة الإنسان واكتشاف ما لم يكن بالحسبان، فالعلم الحديث مثلا «تمكن ولأول مرة في التاريخ بعد فحص صخور القمر من التوصل إلى حقيقة أن القمر والأرض وغيرهما من كواكب في مجموعتنا الشمسية خُلقت في الوقت نفسه ومن العناصر الكيميائية ذاتها» على حد قوله. ويرى أن حب الاكتشاف فطرة إنسانية منذ كان الإنسان في الغابة والصحراء إذ يحاول دوما معرفة ما وراء موقعه.

وسألت عالمنا العربي الذي يعمل أستاذا في جامعة بوسطن عن رأيه فيما يثار في العالم الغربي عبر أفلامهم الوثائقية التي تحاول أن تبرهن أن وصول الأميركيين إلى سطح القمر بأنه مجرد خرافة وخدع تصويرية فقال «لا يلوم الناس في ذلك لأن ما حدث هو أمر يصعب تصديقه»، لكنه يستدرك بأن صخور القمر التي عاينها بنفسه ليس لها نظير في الكرة الأرضية وحتى كل النيازك التي ضربت الأرض تختلف في تركيبها المعدني عن صخور الأرض، ووكالة الفضاء «ناسا» ما زالت تحتفظ بمكتبة ضخمة تضم كل أنواع النيازك التي ارتطمت بالأرض.

وسألت د. الباز ماذا تود أن تقول للقراء العرب في ذكرى رحيل نيل آرمسترونغ بحكم مزاملتك له ولرفاقه، الذين كانوا يطلقون على معلمهم الباز لقب «الملك» (The King) كناية عن تفوقه على أقرانه بعمق المعلومة وسهولة توصيلها ولطافته، فقال، «بصراحة أدهشتني هذه الكوكبة بحجم ولائها البالغ للمهنة، وما تحلوا به من إتقان مذهل لعملهم، وكانوا يصغون جيدا للكلام الذي يوجه إليهم وإذا لم يفهموا شيئا كانوا حريصين على فهمه ليطبقوه بحذافيره حتى ينجحوا في مهمتهم، وفوق هذا وذاك وعلى الرغم من أن ما فعلوا لم يفعله بشر من قبلهم كانوا في قمة التواضع».

وهذا أمر صحيح إذ يندر أن نشاهد نيل آرمسترونغ في لقاءات تلفزيونية، وإذا ما بالغ أحد في مدحه كان يردد دوما مقولته الشهيرة «أنا لم أفعل سوى واجبي». رحل نيل ورفاقه لكن التاريخ أبى إلا أن يخلد أسماءهم بأحرف من النور، ليذكرنا بأن كل هدف مهما كان صعبا يمكن أن يكتب له النجاح بالعزيمة والإصرار والمثابرة.

[email protected]