«هناك شيء ما لا يحب هذا الجدار»

TT

في قصيدته «إصلاح الجدار»، قام روبرت فروست بالتشكيك في صحة الحكمة التي تقول «الأسوار الجيدة تصنع جيرانا طيبين»، حيث قال:

«قبل أن أقوم ببناء الجدار

كان يجدر بي أن أعرف

ما الشيء الذي سيحيطه هذا الجدار

ومن الأشخاص الذين

سيلحق بهم الضرر جراء بنائه

هناك شيء ما لا يحب هذا الحائط

ويريد هدمه».

وعلى مدار العقد الماضي، قامت بعض الديمقراطيات الرائدة في العالم ببناء جدران وأسوار على حدودها، حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية والهند وإسرائيل - الذين عادة ما يتم وصفهم على التوالي بأقدم ديمقراطيات العالم وكبرى ديمقراطيات العالم وأكثر ديمقراطيات العالم استقرارا - ببناء 3.500 ميل من الجدران والأسوار على حدودها، التي تكفي لتمتد على طول الطريق بين نيويورك ولوس أنجليس.

تؤكد البلدان الثلاثة أنهم يقومون ببناء تلك الجدران خشية الأعمال الإرهابية، حيث أطلقت الحكومة الإسرائيلية رسميا على الحائط الذي قامت ببنائه «جدار مكافحة الإرهاب». وفي المناقشات التي جرت في الكونغرس الأميركي حول «قانون السياج الأميركي الآمن» في عام 2006، عادة ما كان مؤيدو القانون يربطون بشكل متكرر بين السياج والإرهاب؛ فعلى سبيل المثال قال النائب ديفيد درير: «أكره فكرة قيامنا بإنشاء سياج، ولكننا لا نمتلك خيارا آخر في حقيقة الأمر. نحن بالفعل ليس لدينا خيار آخر، ففي الأسبوع الحالي، وبينما نحتفل بالذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، فنحن في خضم حرب عالمية على الإرهاب، حيث نواجه تهديدا من أشخاص يرغبون في إلحاق الضرر بنا عن طريق عبور الحدود».

وفي عام 2012، توشك الحرب على الإرهاب على الانتهاء، حيث لقي أسامة بن لادن مصرعه، فضلا عن مقتل الكثير من زعماء تنظيم القاعدة المشتبه فيهم وإلقاء القبض على كثيرين غيرهم الذين يتم احتجازهم لأجل غير مسمى في السجون الأميركية. ومن الناحية الأخرى، توقفت التفجيرات الانتحارية في إسرائيل بشكل كبير بعد انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2005.

وعلى الرغم من كون هذه الجدران والأسوار من بين أكثر بقايا الحرب على الإرهاب وضوحا، فإن مدى فعاليتها في منع الهجمات الإرهابية تظل دوما محل جدل كبير.

أولا، صرح مايكل شيرتوف في عام 2007، عندما كان يشغل منصب وزير الأمن الداخلي في الولايات المتحدة: «أعتقد أن السياج قد اكتسب نوعا معينا من الأهمية الرمزية، ولكن ذلك لا ينبغي أن يخفي حقيقة أن المشكلة أكثر تعقيدا بكثير من مجرد بناء سياج يستطيع أي شخص تسلقه عن طريق استخدام سلم أو حفر نفق تحته باستخدام جاروف». أدلت جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي الأميركية الحالية، بتصريحات مماثلة في عام 2005 عندما كانت تشغل منصب حاكمة ولاية أريزونا: «أرني جدارا بارتفاع 50 قدما وسوف أريك سلما بطول 51 قدما موجودا على الحدود. هذه هي الطريقة التي يجري بها العمل على الحدود».

ثانيا، يتكلف بناء وصيانة تلك الأسوار مبالغ طائلة، فبحسب تقديرات الإدارة الأميركية، سوف تصل تكلفة كل ميل من السور الذي سيتم بناؤه على الحدود الأميركية - المكسيكية نحو 20 مليون دولار طوال فترة عمر السور الذي سيبلغ 20 عاما. أما الأسوار التي تقوم إسرائيل والهند ببنائها فسوف تصل تكلفة كل منها إلى بضعة مليارات من الدولارات. لقد كان بناء تلك الأسوار من بين أكبر مشاريع البنية التحتية في البلدان الثلاثة في العقد الماضي.

ثالثا، لم يقم أي من هذه المشاريع الأمنية الحدودية الثلاثة بتأمين الحدود بصورة كاملة، حيث يغطي السياج الأميركي نحو ثلث حدودها مع المكسيك فقط، بينما يغطي المشروع الإسرائيلي نحو ثلثي الحدود، في حين تغطي الأسوار الحدودية التي قامت الهند ببنائها نحو 80 في المائة من حدودها مع باكستان وبنغلاديش.

وأخيرا، هناك دائما حركة مرور مشروعة عبر الحدود، حيث تعتبر الحدود الأميركية - المكسيكية أكثر الحدود التي يتم عبورها في العالم. أما في إسرائيل، فهناك عشرات الآلاف من المستوطنين الذين يعيشون في الجانب الفلسطيني من السياج ويطالبون دوما بسهولة المرور إلى إسرائيل عبر نقاط التفتيش. قامت الهند ببناء مئات البوابات في الأسوار التي شيدتها على حدودها مع بنغلاديش للسماح للمزارعين بدخول المناطق التي تقع على الجانب الآخر من السور. توفر كافة هذه التحركات المشروعة عبر الحدود الغطاء الشرعي لبعض الأشخاص الآخرين الذين يرغبون في الهجرة أو تهريب الممنوعات أو تنفيذ هجمات إرهابية. تجدر الإشارة هنا إلى أن كافة الأشخاص الذين قاموا بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر قد دخلوا الولايات المتحدة من المطارات باستخدام تأشيرات سلمية تماما.

إذن، ما التأثير طويل المدى لهذه الأسوار الحدودية المكلفة والتي تبدو غير فعالة؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في المخاوف التي عبر عنها روبرت فروست حيال الأشخاص الذين سيتضررون من بناء هذه الأسوار. فبالنسبة للأشخاص الموجودين على الجانب الفلسطيني، يعد هذا الجدار الخرساني الهائل، الذي يصل ارتفاعه إلى ضعف ارتفاع حائط برلين، رمزا لعنف الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، بينما ترمز الأسلاك الشائكة بالنسبة للأقلية المسلمة كبيرة العدد في الهند إلى ويلات التقسيم والتهميش التي يعانونها. أما بالنسبة للمواطنين الأميركيين المنحدرين من أصول لاتينية، يرمز هذا السياج الصحراوي إلى قوانين الهجرة الأميركية التمييزية. لقد أصبحت هذه الجدران رموزا صريحة على السياسات الإقصائية التي تمارسها الولايات المتحدة والهند وإسرائيل بدلا من كونها رموزا على الحرية والديمقراطية.

هل الأسوار الجيدة تصنع جيرانا طيبين؟ ربما يجدر بنا الاستشهاد ببيت شعر آخر من قصيدة روبرت فروست، الذي يقول فيه: «نحن حقا لسنا في حاجة إلى جدار».

* أستاذ مشارك في الجغرافيا في «جامعة هاواي» ومؤلف كتاب «أسوار الحدود: الأمن والحرب على الإرهاب في الولايات المتحدة والهند وإسرائيل»

* خدمة «نيويورك تايمز»