الأسد.. حتى لا ننسى!

TT

مجددا، يظهر الرئيس السوري «المؤقت» بشار الأسد على شاشة محطة «الدنيا» الفضائية، التي تعود ملكيتها بشكل أساسي لابن خاله رامي مخلوف، وهي المحطة التي عرف عنها «زهدها» في الحق والحقيقة. وكان ظهوره عبارة عن مقابلة وصفت بأنها حصرية، وقام الأسد «بتوضيح» ما يحدث في بلاده بأنه «مؤامرة كونية» عليها تقودها «القوى الإمبريالية المعادية» بواسطة «الجماعات الإرهابية المسلحة» وبتمويل «القوى الرجعية بالمنطقة»، وهي مفردات من قاموس حزب البعث الخشبي ملّ الناس من عفنها ومن كذبها ورداءة معانيها، فلا يوجد عاقل ومنصف وحكيم يتقبل هذا الهراء.

ولكي لا ينسى الناس من المهم إعادة التذكر والتذكرة في «نوعية» نظام الأسد الذي يحاربه السوريون بكل بسالة وشجاعة لأجل الخلاص منه للأبد. هذا النظام هو أول من أوجد الجماعات المسلحة فعلا، لا سيما داخل النظام نفسه، مثل «سرايا الدفاع» التي كانت ميليشيا تتبع سلطات نائب الرئيس السوري وقتها رفعت الأسد، وكانت وسيلة للابتزاز ضد الشعب وضد التجار، ووسيلة قمع بامتياز استخدمت ضد سكان حلب وتدمر، والأفظع كان استخدامها في تدمير مدينة حماه في ما عرف لاحقا بمذبحة حماه الكبرى. وقد حاول رفعت الأسد تسخير هذه الميليشيا ذات يوم لقلب نظام الحكم ضد أخيه الرئيس حافظ الأسد لكنه لم ينجح.

عرف النظام كيف يوظف أجهزته الدموية لإحداث الشروخ العميقة بين الطوائف السياسية والدينية في الدولة الجارة لبنان، فاستحدث النظام تنظيم التوحيد في طرابلس بتوجهه السلفي العنيف وقيادة سعيد شعبان ليكون شوكة دموية في خاصرة الطائفة السنية من خلال وجوده في طرابلس. أما الموارنة فقد ذاقوا ببراعة وفن قدرة النظام السوري على تمزيق صفوفهم مستغلا تعلقهم وتشدقهم التاريخي بالسلطة، فقام نظام الأسد باستغلال آل فرنجية تارة ومن بعدهم إيلي حبيقة، والآن يتم استغلال ميشال عون بمنتهى الخبث والدهاء، وطبعا تم استحداث حزب الله بداية على حساب ميليشيات منظمة «أمل»، وحصلت حروب طاحنة بينهم أودت بالمئات منهم، وكذلك الأمر حينما تمت تقوية أجنحة طلال رسلان واستحداث حركة التوحيد بقيادة وئام وهاب ضد وليد جنبلاط وتاريخ أسرته مع طائفة الدروز.

في كل الأحوال المذكورة كان الدم المهدر غزيرا، وكانت هذه المعارك تقاد من قلب نظام الأسد، كل ذلك كان يحدث باسم «حماية لبنان» عن طريق الشقيقة الكبرى. وطبعا لا يمكن إغفال الجرائم الشنيعة التي حصلت من قبل نظام الأسد نفسه في حق الفلسطينيين ومخيماتهم، والمجازر التي ارتكبت وراح ضحيتها العشرات والمئات والآلاف، واستحدثت وحدات مريبة من رحم النظام في دمشق بقيادات مثيرة للجدل والاشمئزاز، تسببوا في قتل وتشريد أعداد مهولة من «إخوانهم» الفلسطينيين، وفي كل ذلك كان النظام يقوم بعمله باسم الحرية والاشتراكية والمقاومة والممانعة و«طق الحنك» السياسي الخالي من المضمون، وهي بضاعة فارغة ظل النظام السوري يروج لها كأسطوانة مشروخة لعقود من الزمن، وجدت لفترة من يشتريها حتى اكتشف زيفها وبطلانها، مع عدم إغفال الضرر الواقع منذ اليوم الأول على الشعب السوري نفسه من ظلم وإهانة وحرمان.

هذا هو الواقع الحقيقي لنظام الأسد سواء روج عن نفسه بغير ذلك على قناة «الدنيا» أو «الآخرة». المؤامرة الكونية الوحيدة حقيقة هي القبول باستمرار نظام بشار الأسد في حكم سوريا، لأنه يمثل جريمة لا تغتفر، والشعب قال كلمته للخلاص، فلم يعد من الممكن قبول فكرة الأسد للأبد، لكنها تحولت لـ«الشعب للأبد». كان السوريون قديما يسخرون من حركات حافظ الأسد وهو يحييهم من الشرفات فيترجمونها بأنه يقول «اصبروا عليّ والله لأفرمكم فرما»، وصدق الرجل وابنه، وها هما يذيقان المر لشعب يطلب الكرامة ولا بد من نصرته.

[email protected]