الصحافة وبئس المقتنى!

TT

في تونس، لوحة الربيع ليست بذاك البهاء، وحريات الإعلام الحقيقية ليست على ما يرام، فقد ضاق جلباب حركة النهضة ببعض المداعبات الديمقراطية، وهي التي أتت على صهوات الحريات، وتنظيرات الشيخ الغنوشي عن أشواق الحرية.

رئيس الجمهورية «الإنساني» المنصف المرزوقي، المخلص حد النخاع للنزعة الثورية الإنسانية اليسارية انتبه مؤخرا إلى أن النهضة تريد السيطرة على الدولة، وكأن النهضة جمعية خيرية تتبع للأم تريزا توزع الصدقات السياسية والجماهيرية مجانا! كأنها ليست حزبا سياسيا يريد كل ما يريده أصحاب الطموحات السياسية، السلطة والقوة والديمومة، مهما اختلفت شعارات الساسة.

بقيت جبهة الإعلام خارج إطار بيت الطاعة النهضوي، فسلط عليها شواظا من جماهيرية النهضة، مظاهرات تطالب بـ«التطهير» من فلول الثورة المضادة، كيف لا وهم بيدهم القدرة على تحريك الجمهور المنتشي إلى الآن بأحلام الانبعاث الخلافوي، كما بشرنا في وقت سابق من هذا الربيع القيادي النهضوي، ورئيس الحكومة حمادي الجبالي، ثم أعاد الشيخ الغنوشي «تأويل» كلمة الخلافة.. لاحقا، في مشهد متكرر مرارا.

تحريك الجماهير، ثم الابتعاد عنها وعدم تحمل المسؤولية الرسمية جراء تحركها، جزء من تكتيك مشترك بين النهضة في تونس والإخوان في مصر، وهم محقون في هذا، فهو، قانونيا، حراك «شعبي» عادي، على غرار حراك الجماهير «العفوية» تجاه مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر احتجاجا على بضعة برامج تلفزيونية ليست في جيب الإخوان، وقيل حينذاك لأحد هؤلاء المذيعين المصريين، وفي اتصال على الهواء، من قبل قيادي إخواني: لا علاقة لنا بهم، وحاولوا إقناع الجماهير بموقفكم! أي بعبارة أخرى: دبروا حالكم مع جماهيرنا.

ثم تحركت جبهة القضاء، كما في حالة رئيس تحرير جريدة «الدستور» المصرية، أو في حالة الإعلامي التونسي سامي الفهري، مدير قناة «التونسية»، الذي توجه، حسب محاميته إلى النائب العام ليتم حبسه، ممتثلا بذلك لمذكرة توقيف صدرت بحقه، على خلفية برنامج سياسي ساخر، تم فيه تناول شخصيات الغنوشي والجبالي والمرزوقي.

عموما وكما علق محمد شومان في صحيفة «الحياة» قبل أيام، فإن المعركة من أجل «أخونة» الإعلام ستكون صعبة وليست مهمة سهلة، لعدة اعتبارات، منها أن عفريت الحريات الإعلامية انطلق بشكل جامح عصي على السيطرة بفعل الربيع العربي نفسه، الذي أوصل الإسلاميين للسلطة، أي إنه ربيع ينثر مباهجه على أكثر من طرف، على الأقل بالنسبة للإعلاميين.

معاداة هذه الحكومات الجديدة للإعلام هي حفر في الماء وحرث في الهواء، وقديما قال الشاعر العربي:

وعداوة الشعراء بئس المقتنى!

[email protected]