الأطباء والمرضى.. حدود صراحة الحديث بينهم

TT

ما على أفراد الوسط الطبي فهمه بعمق وتطبيقه بحكمة، هو أن يزنوا بدقة كلامهم الذي يتفوهون به لمرضاهم.. هذه واحدة. وما على المرضى إدراكه أن الخضوع للمعالجة الطبية لا يعني إلقاء كامل مسؤولية نجاح المعالجة الطبية على الطاقم الطبي المعالج؛ بل عليهم أيضا مسؤوليات.. هذه ثانية.

والثالثة، أن في علم الطب شيئا يسمى «التأثير الإيجابي للدواء الوهمي» placebo effect، ويقصد به أن بعض المرضى يشعرون بتحسن وتزول عنهم آلامهم بمجرد تناولهم أدوية يقدمها لهم الطبيب؛ وهي في الواقع أدوية وهمية لا تحتوي بالفعل على أي مادة كيميائية، بل ربما تكون قطعة من النشا أو السكر على هيئة حبة دواء حمراء أو صفراء أو بيضاء اللون. وكلمة «placebo» هي الترجمة الإنجليزية للعبارة اللاتينية «سأكون سعيدا» وتترجمها بعض المعاجم العربية إلى كلمة «غفْل».

وبالمقابل، هناك أيضا ما يسمى «التأثير السلبي للضرر الوهمي» nocebo effect، ويقصد به بدء المريض بالتفكير في الأضرار أو الآثار الجانبية المحتملة لدواء ما أو مرض ما لدرجة توهم المريض إصابته بها، والسبب أن الطبيب أو الصيدلي قال ذلك للمريض. وأصل كلمة nocebo هو ترجمة لعبارة «سأكون متضررا» باللاتينية.

وفي عدد 29 يونيو (حزيران) الماضي من مجلة Deutsches Arzteblatt International، طرح الباحثون الألمان والأميركيون دراستهم عن «التأثير السلبي للضرر الوهمي» وضرورة تعلم الأطباء، وبقية أفراد الوسط الطبي، كيفية الاستفادة والاستغلال الصحيح لقوة تأثير الكلمات، والاهتمام بتوجيهها لصالح المرضى في مساعدتهم للشفاء من الأمراض.

الباحثون قاموا بمراجعة مجمل الدراسات التي تم إجراؤها عن موضوع «nocebo» وأفادوا أن جهود الأطباء لا تزال ضعيفة في محاولات فهم «nocebo»، ذلك أنه في مقابل أكثر من 2200 دراسة تم نشرها حول موضوع «placebo» توجد دراسات قليلة جدا عن موضوع « nocebo».

وقال الباحثون: «لدى المرضى عموما قابلية عالية لتوقع حصول الأحداث السلبية، لا سيما في الحالات المرضية التي تعتبر طبيا ذات مخاطر تهدد سلامة الحياة، مثل الخضوع الوشيك لعملية جراحية أو الإصابة بأمراض القلب الحادة أو التعرض للحوادث. وفي هذه الحالات من اضطراب الوعي والتفكير السليم والتحليل المنطقي للأمور، يكونون أكثر عرضة للوقوع في سوء فهم العبارات المبهمة الموجهة لهم أو التي لا يفهمون تفسيراتها أو التي فيها استخدام لمصطلحات طبية غامضة». وأضافوا: «أفراد الطاقم الطبي المعالج قد يزيدون الأمور تفاقما على المرضى بإثارتهم نشوء هذه التشويش في تفكير المرضى حينما يذكرون الأمور السلبية عن واقع مرضاهم، مثل القول لهم إن حالتهم المرضية تصنف طبيا بأنها ذات خطورة عالية، أو يلقون بظلال من الشك حول احتمالات نجاح الأدوية في معالجة حالتهم الصحية، أو لا يكفون عن تذكير المرضى بضرورة تنبيه الممرضات أو الأطباء متى ما شعروا بألم أو غثيان، أو حينما يقللون من شأن الحالة الصحية بدعوة المريض إلى عدم القلق».

والواقع أن غالب ما يقوله الأطباء لمرضاهم في ما تقدم هو بالفعل صحيح وهي الحقيقة، ولكن المرضى قد لا يساعدهم قول الحقيقة لهم بهذا الأسلوب، بل ربما يثير لديهم حالة «التأثير السلبي للضرر الوهمي»، بما يزيد الأمور تعقيدا. وبالمقابل، فإن هناك قناعة صحيحة ومحقة لدى الأوساط الطبية بضرورة إخبار المريض عن حالته الصحية بكل شفافية للوصول إلى تعاون أكبر من المريض للمشاركة وتحمل المسؤولية في عملية معالجته. ومع هذا، هناك خيط رفيع جدا على الأطباء وبقية طاقم المعالجة ملاحظته، وهو أن التواصل مع المريض فن عليهم أن يتعلموه ويتدربوا عليه. ولذا، أفاد الباحثون بأن علينا نحن الأطباء أن نراعي جانب الحد من إعطاء المرضى كمية كبيرة من المعلومات السلبية عن الآثار الجانبية للأدوية مثلا، دون الإخلال بواجب أمانة تبليغ المريض بالحقيقة.

وأضاف الدكتور تيد كبتكوك، الطبيب المشارك بالدراسة من جامعة هارفارد، قائلا: «ولكننا لو لم نخبر المرضى عن الآثار الجانبية، نكون قد تصرفنا تصرفا غير أخلاقي وبطريقة غير شفافة مع مرضانا ولم نشرح لهم ما يكفي للحصول على الموافقة المشفوعة بالعلم التام full informed consent على أي إجراء علاجي نتخذه. ومن جهة أخرى، لو أخبرناهم كل شيء لتسببنا لهم في المشكلات. وهذا أحد المواضيع الطبية الشائكة: الأمانة في مقابل الضرر».

والأطباء عموما في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم إن لم يبلغوا المرضى بكل التفاصيل، فإن بعضا من المرضى قد لا يثقون بهم أو ربما يشتكونهم لدى المحاكم، وإزاء هذه المعضلة، ختم الباحثون حديثهم بعبارات مفادها أن على المرضى أيضا دور مهم في مقابل طلباتهم بضرورة الإحاطة بكل شيء عن حالتهم الصحية وطريقة معالجتهم، وهو أن على المرضى أن يدركوا التأثيرات القوية لتوقعاتهم المستقبلية على حالتهم الصحية، وأن عليهم أن يتحملوا المسؤولية للعناية بأنفسهم عبر تبني نهج التفاؤل طالما قرروا تلقي المعالجة الطبية.

الموضوع برمته لا يزال دون نهج وطريق واضح ومقبول من قبل المرضى ومن قبل الأطباء حول حدود الصراحة في الحديث بينهم.

استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]