لا شيء يستحق الانحياز

TT

عدم الانحياز إلى مَن؟ الدولة التي قامت عليها تلك الحركة، هي الآن أضعف من أي وقت مضى، ورئيسها في سبات ينتظر انتخابات الخريف. وأما روسيا، التي وقفت سرا وراء الحركة، فلم يتغير في أمرها شيء: لها قدرة هائلة على العرقلة وقدرة صفرية على أي بناء.

لكن عدم الانحياز مهرجان إيراني مضاد للعزلة حتى لو نادى فيه محمد مرسي بإسقاط النظام السوري، ودافع بان كي مون عن وجود إسرائيل وفكرة الهولوكوست. وما دامت الدنيا كلاما في كلام، ففي طهران كلام وفي مجلس الأمن كلام ومندوبة باراك أوباما تكرر للمرة الألف منذ 18 شهرا أن النظام السوري قد «انتهى»، لكن يبدو أنه يرفض تبلغ الإشعار.

أهم ما في مهرجان طهران تحرك مصر: أقام محمد مرسي العلاقة مع إيران للمرة الأولى منذ 1978، وقطع العلاقة مع دمشق الرسمية. وضع إيران على خط الحلول الاستراتيجية العربية، وجعل عضويتها مساوية للدول العربية الرئيسية، ونزع منها - في الشكل - ورقة سوريا، حليفتها الأولى في الشرق العربي وحوض المتوسط. خرج من إسرائيل لكنه لم يخرج من كامب ديفيد. حيا «الربيع العربي» لكنه حرص - في قلب طهران - على عدم حشر البحرين في تمنيات الفصل المذكور.

الجديد في مؤتمر طهران ليس نفي طهران لقوتها النووية، لأن نفي النفي إثبات. بل الجديد الوحيد هو بيان السياسة الخارجية المصرية الذي أعلن من طهران. فالنظام الجديد ليس نظام مبارك المتمتع بظلال الحياد، بل هو نظام إسلامي له مشروع سياسي مرسوم، ومحيطه الأم هو العالم العربي، وما مصر إلا بوابة كبرى، تُفتح وتُغلق بحساب، غامض ولكنه معلن.

لا يعقل أن طهران لم تطلع سلفا على نصوص الخطب الرسمية، كما تقضي الأعراف. ظل المضيف الإيراني جالسا بينما انسحب وليد المعلم. لم يكن هذا المكان المتوقع لشجب النظام السوري بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدا خطاب مرسي وكأنه استمرار لسياسة اليوم الأول. أي بدء العلاقات العربية من السعودية، بعدما كان المشير طنطاوي قد اختار أن تكون زيارته الأولى إلى ليبيا، مستقربا المتوسط على عبور البحر الأحمر.

فيما عدا جديد مصر، كان كل شيء مألوفا في عدم الانحياز. فلم يبق في العالم، في أي حال، شيء يستحق الانحياز.