بمناسبة قدوم سبتمبر: هل نجح العالم في مكافحة الإرهاب؟

TT

اليوم مطلع شهر سبتمبر (أيلول) عام 2012. وهو شهر وقعت فيه أحداث كثيرة عبر التاريخ، لكن سبتمبر عام 2001 سيظل محفورا في الذاكرة البشرية، ومطبوعا في ملفات الأحداث الكبرى الفاجعة.

لماذا؟

لأنه في 11 سبتمبر 2001 وقعت الكارثة التي اشتهرت إعلاميا بـ«تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك»، وهي كارثة وصف فاعلوها بأنهم «عرب مسلمون»، وبغض النظر عن الجدل حول «الفاعل الحقيقي»، فإن تلك الكارثة كانت برهانا داميا على أن الإرهاب قد بلغ ذروته في الفتك والبطش والفجور.

ولقد استهولت البشرية (أسودها وأبيضها وأحمرها وأصفرها مؤمنها وكافرها متعلمها وجاهلها) القارعة التي ضربت مراكز حيوية في الجهاز العصبي في الجمهورية الأميركية.

وفي أثناء الصدمة المهولة وبعدها، أخذ الجنس البشري على الكوكب يتواصى ويتفق على مكافحة هذا الوباء الكاسح الجائح، وبرزت أميركا (بحسبانها ظرف مكان وزمان لتلك القارعة) كقائدة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب.

وها قد مرت على تلك القارعة 11 عاما.. والسؤال المركزي - ها هنا - هو: هل نجح العالم في لجم جنون الإرهاب؟

الجواب المحزن هو (لا).. لا.. لا.

ومرد الخيبة في أداء هذه المهمة، الفكرية الأمنية السياسية الاستراتيجية، هو:

أولا: النظرة العوراء إلى «أسباب الإرهاب»، بمعنى أن استقراء الأسباب كان ناقصا.. وإذا استعرنا لغة الطب قلنا: إن التشخيص الخاطئ أو الناقص يكون سببا في استمرار المرض، بل قد يكون سببا في تفاقمه ومضاعفاته.

ثانيا: ترتب على ذلك «غموض» واضطراب في تعريف الإرهاب، وهو غموض مسبب بضغوط الأجندات السياسية التي تعمدت ترك التعريف مطاطا ومذبذبا ورقاصا لئلا يتعارض مع الأهداف السياسية لتلك الأجندات.

ثالثا: تعودت أجهزة استخبارات معينة على «اللعب» مع الإرهاب، من خلال صفقات مشتركة يستفيد منها الطرفان، وهو لعب أشبه ما يكون باللعب مع الثعابين السامة! ومن المؤسف أن أميركا (التي تقول إن الإرهاب ضرب في جهازها العصبي) كانت تمارس اللعب مع الإرهاب لتحقيق هذا الهدف أو ذاك.. تقول الكاتبة الأميركية، مورين داود: «لقد اجتذبنا الإرهابيين - بالضبط - إلى المكان الذي نريد، وقد جئنا بالمعركة إلى عرينهم، فهم يندفعون إلى العراق، ويهاجمون قواتنا كل يوم، وذلك على وجه التحديد ما نريد أن نكون فيه!!!!» (علامات التعجب الكثيرة من وضع الكاتبة).

رابعا: الانحراف الشديد بالحرب على الإرهاب:

1 - بدت الحرب على الإرهاب وكأنها «حرب صليبية» على الإسلام والمسلمين؛ أعدت من قبل ثم انتظر قادتها «الحدث المناسب» لشنها وإيقادها، وإلا فكيف تحمل أمة كاملة خطيئة نفر منها زعموا أنهم هم من ضرب في نيويورك؟! فهل يصح أن تلعن الأمة الأميركية كلها بسبب ما فعله ضباط وجنود أميركيون في سجن أبو غريب العراقي مثلا؟

وليس يجوز أن يستخف ذو خفة بآثار تلك الحملة على الإسلام والمسلمين. ففي استطلاع للرأي العام الأميركي أجري منذ أيام تبين أن 40 في المائة من الأميركيين يكرهون الإسلام والمسلمين!

ولقد شعر عقلاء نصارى العالم بخطورة هذا التوظيف السياسي السيئ لأحداث 11 سبتمبر، أي التوظيف الذي يستهدف الإسلام ومسلمي العالم. فقد قال بابا الفاتيكان السابق: «إنني أخشى أن تثير الحرب على العراق وعلى الإرهاب صراعا دينيا. ويجب أن لا نسمح لهذه الأزمات بأن تباعد بين المسيحيين والمسلمين، كما يجب تجنيب العالم انقسامات جديدة».

2 - أنتوني زيني جنرال أميركي كبير، وكان قائدا للقيادة الأميركية الوسطى. هذا القائد أنبه ضميره ففتح فمه وقال: «إن الحرب على العراق دبرتها حفنة معروفة في الإدارة الأميركية من أجل خدمة إسرائيل. وهذا هو التفسير الوحيد للورطة الأميركية في العراق، في حين أن المكافحة الصحيحة المجدية للإرهاب كانت توجب عدم شن هذه الحرب».

3 - بول أونيل وزير الخزانة الأميركي السابق، قال: «كانت هناك وثيقة في وزارة الدفاع بتاريخ 5 مارس (آذار) 2001 تحت عنوان (الأجانب الذين يريدون عقودا في حقول النفط العراقية).. ولقد اطلعت على خطط سرية للغاية تتضمن خططا لعراق ما بعد صدام، وهي الخطط التي نوقشت في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) عام 2001 (أي قبل أحداث 11 سبتمبر بـ7 شهور وقبل الحرب على العراق بسنتين)».

3 - يبدو أن «التساهل» مع الإرهاب كان سياسة أميركية معتمدة.. وهذه هي شهادة ريتشارد كلارك، المسؤول عن مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي. فقد سجل كلارك هذه الحقيقة المزلزلة إذ قال (بالنص): «إن الإدارة تجاهلت التهديد الذي كان يمثله تنظيم القاعدة قبيل هجمات 11 سبتمبر، على الرغم من علمها بهذه التهديدات (!!!). كنت أنا وتينت (مدير الاستخبارات الأميركية الأسبق) نشعر بالأسى دائما لأن تنظيم القاعدة لا يعالج بالجدية اللازمة من جانب الإدارة، وأنه حتى بعد حدوث 11 سبتمبر واختباء بن لادن في أفغانستان أرادوا ضرب العراق بعد هجمات سبتمبر مباشرة، على الرغم من عدم وجود أي علاقة بين العراق وتلك الهجمات».. ومن الوقائع الثابتة الموثقة أن خطة الحرب على العراق قد أعدها فريق صهيوني معروف في واشنطن، في مقدمتهم ريتشارد بيرل. وبول وولفويتز. وجيمس بافيت. وكارل روف. وهو فريق يقدم مصالح إسرائيل على مصالح الولايات المتحدة الأميركية.

وفي سياق الحديث عن الخيبة في مكافحة الإرهاب نلتقي بظاهرتين اثنتين (في الجملة):

أ - ظاهرة الإغراق في التفاصيل.

ب - ظاهرة «الخط الفكري والإعلامي والسياسي الثابت».. فعلى الرغم من زحمة التفاصيل ظل هذا الخط ثابتا!!

ولنستحضر العقل والتفكير الموضوعي المنهجي لمناقشة هاتين الظاهرتين.

1 - ظاهرة الزحمة في التفاصيل وتضارب الروايات. فأول رواية صدرت عن الإدارة الأميركية (بطبيعة الحال). وخلاصة الرواية أن مؤامرة كبرى (الأميركيون لا يكفرون بالمؤامرة بل يؤمنون بها أيما إيمان) استهدفت الأمن الوطني للولايات المتحدة عبر ضرب أبراج عمرانية في نيويورك، ومنشآت أخرى في واشنطن وبنسلفانيا، وأن أبطال هذه المؤامرة «مسلمون»، معظمهم من السعودية، وأن باعث المؤامرة هو كراهية الحرية في أميركا، وتشويه النموذج الأميركي الحضاري. بيد أن هذه الرواية تعرضت لـ«مطاعن» غير ضعيفة، ولا سيما في نقطة أن الإدارة الأميركية كانت «خالية الذهن» من السيناريوهات التي تحمل نذرا مبكرة بأن أحداثا مروعة ستقع في أميركا.. ومن القرائن الطاعنة في حكاية خلو الذهن من مخاطر إرهابية:

أ - ما قالته كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركي سابقا. إذ قالت أمام الكونغرس: «إن الرئيس تلقى قبل 11 سبتمبر مذكرة استخباراتية تصف أهداف بن لادن في شن هجوم على الولايات المتحدة يتضمن اختطاف طائرات واستعمالها في الهجوم. والمذكرة معروف عنوانها ولكن محتوياتها لا تزال مجهولة. أما عنوانها فهو (تصميم بن لادن على شن هجوم داخل الولايات المتحدة). ولكن المذكرة تخلو من تحديد موعد ومكان وكيفية وقوع مثل هذا الهجوم. وأنا لم أتخيل على الإطلاق ارتطام طائرات بمبان»!!

ب - بتاريخ 6/ 9/ 2003، نشر مايكل ميتشر عضو مجلس العموم البريطاني ووزير البيئة من عام 1997 إلى عام 2003، الحقائق والمعلومات التالية؛ فقال: «نعلم الآن أنه قد خطط لمشروع القرن الأميركي منذ وقت مبكر، ومما ورد في وثيقة المخطط أن الولايات المتحدة يجب أن تعيق الدول الصناعية المتقدمة عن تحدي قيادتها العالمية أو التطلع إلى دور إقليمي عالمي، وأنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرس مسألة تطوير أسلحة بيولوجية بما يمكنها من استهداف أعراق معينة، ومن تحويل الحرب البيولوجية على الإرهاب إلى أداة سياسية مفيدة». هذه الوثيقة التي كتبت قبل أحداث 11 سبتمبر بعام كامل، توفر تفسيرا أفضل لفكرة الحرب الشاملة على الإرهاب قبل 11 سبتمبر وأثناءه وبعده. وينبغي النظر إلى هذا الموضوع من عدة جوانب. فمن الواضح أن السلطات الأميركية لم تفعل ما يكفي لإجهاض أحداث 11 سبتمبر. فمن المعروف أن 11 دولة - على الأقل - قدمت معلومات وتحذيرات تقول إن هناك خلية مكونة من مائتي إرهابي تحضر لعملية كبيرة في أميركا، وقد تضمنت قائمة الأسماء 4 أسماء من خاطفي الطائرات ومفجريها، وعلى الرغم من ذلك لم يقبض على أي منهم؟!

2 - الظاهرة الثانية هي توظيف جنون الإرهاب في تشويه الإسلام، والصد عن سبيله، ونقترح على القارئ أن يعيد قراءة نتائج الاستطلاع الأميركي حول الإسلام والمسلمين، الذي تحدثنا عنه في نقطة سابقة.