متى يحق لخصوم مرسي محاسبته؟

TT

لو يطبق الرئيس مرسي ما سطرته كتب وتصريحات ومقالات أعضاء جماعة الإخوان المسلمين طوال الثمانين عاما من عمرهم، بما حوته من أدبيات وأفكار حول نموذج الدولة التي ينشدون، لما ظل في القصر الرئاسي ليلة واحدة.

هذا الإرث التنظيري غير قابل للتطبيق، لا على المستوى المحلي لبناء دولة دينية، ولا خارجيا بإعلاء نبرة العداء لأميركا وإسرائيل.

انتشر فكر جماعة الإخوان المسلمين في معظم البلدان العربية من المحيط إلى الخليج نظرا لطول عمره، وإلى تأثير المحطات التي عبرت خلالها الجماعة، خاصة فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي تعتبر من الناحية التاريخية هي التي عمقت وجود فكر «الإخوان» وثبتت قواعده في كل البلدان العربية، حينما قمعهم بالحديد والنار، وسجنهم وعذبهم وشردهم من أرضهم شيوخا ونساء. هذا التعامل القاسي أظهرهم كرجال دين مستضعفين في الأرض، فأثار تعاطف الناس معهم، وصنع منهم أبطالا أينما حلوا.

من الكويت حتى المغرب العربي، تمدد الفكر الإخواني بتؤدة، بلا قلق أو تهديد. لذلك، يجب ألا يستنكر الإخوة المصريون اهتمام العرب بأوضاعهم السياسية في ظل تولي أحد أعضاء الجماعة سدة الحكم، فكما هو الشارع المصري منقسم حول «الإخوان»، فالشارع العربي لا يختلف عنه. وكما كانت فترة القمع والتمزيق الناصرية سببا في تثبيت دعامة فكرهم في البلدان العربية، قد تكون فترة توليهم كرسي الحكم تعزيزا لموقعهم هذا، أو إظهارا لحقائق غائبة سيكشفها واقع الممارسة.

هناك تحسس ملحوظ من خصوم الإخوان المسلمين تجاه كل ما يصدر عن الرئيس مرسي حتى في الشؤون التي تعد من صميم ممارسات رئيس الدولة التي لا ينازعه عليها أحد، كاختيار أعضاء الحكومة أو الفريق الرئاسي. الرئيس مرسي أبدى حسن النية في كثير من الأمور على المستوى الخارجي على الأقل؛ كانت أولى زياراته الخارجية للسعودية، في رسالة واضحة إلى أهمية وخصوصية وثبات العلاقة بين الدولتين الكبريين، وكرر تصريحاته بأن العلاقة مع إيران لن تكون على حساب العلاقات العربية، وأعلن احترامه لمعاهدة كامب ديفيد التي ستتيح لمصر علاقة مستقرة مع الغرب في الظروف الخانقة التي يمر بها الاقتصاد المصري، إضافة إلى دعمه لثوار سوريا ودعوته لتنحي بشار الأسد بلا حوار.

الموغلون في انتقاد مرسي يلومونه على زيارته إلى الصين وروسيا وإيران - الدول التي تشارك نظام الأسد في ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، رغم أن الدول العربية مجتمعة لم تقطع علاقتها بأي من هذه الدول، وما يفعله مرسي بأن حمل نفسه وفريقا من وزراء الاستثمار والتجارة والصناعة قاصدا توقيع اتفاقيات اقتصادية معهم هو ما تفعله كل الدول العربية الأخرى التي يلوم بعض مثقفيها مرسي على رحلة الإنعاش الاقتصادي التي تصدرت أولوياته. بل إن الرئاسة المصرية اضطرت إلى استصدار بيان تعلن فيه أن زيارة مرسي لطهران لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز ستستغرق 5 ساعات، لطمأنة المتخوفين من علاقة مصرية - إيرانية عميقة بأن قصر مدة الزيارة لا يعكس حرارة العلاقة. حتى المشروع المصري الذي اقترح في قمة مكة بتشكيل لجنة رباعية من السعودية ومصر وتركيا وإيران لبحث الأزمة السورية، قوبل بالتشكيك. ومع أن المشروع مهزوز الثقة بسبب وجود إيران، ولكنه جدير بالتقدير لأنه ينبئ بعودة مصر إلى دورها الإقليمي.

لن يكون العرب أكثر غيرة على الشأن السوري من المعارضة السورية التي توجهت إلى روسيا لبحث حل الأزمة وهم يعلمون أنه خلال رحلة ذهابهم إلى موسكو كانت البارجات الروسية المشحونة بالعتاد لشبيحة النظام السوري تبحر في الاتجاه المعاكس لترسو في ميناء طرطوس. قد يرى البعض أن الحوار مع إيران مضيعة للوقت، وأن هذا الوقت الضائع سيأتي على حساب أكثر من مائة ضحية يوميا من السوريين المدنيين. ولكن الحقيقة أن هؤلاء الضحايا لن يقتلوا بسبب انتظارهم نتيجة حوار اللجنة الرباعية، بل لانتظارهم الغوث من المجتمع الدولي الذي شن حربا لنصرة أهالي كوسوفو ويعجز اليوم عن فرض شريط عازل يحمي الهاربين من البطش ويقوي شوكة الثوار. وتستطيع المعارضة السورية أن تفعل شيئا مفيدا خلال فترة حوار اللجنة، أو حوار الغرب، أو حوار مجلس الأمن، أو أي من الحوارات التي لم تتوقف خلال 17 شهرا من الأزمة، كتشكيل الحكومة المؤقتة الذي عجزت عنه حتى الآن، وهذا أقل ما تقوم به المعارضة الخارجية مقابل الثورة الحقيقية التي يصنعها سوريو الداخل. كما أنه في حال فشل مشروع اللجنة الرباعية فلن يكون أول المشاريع الفاشلة.

إن المخاوف من كل ما يصدر عن الرئيس مرسي تحوي الكثير من المبالغة، ليس لأن تاريخ الإخوان المسلمين يخلو من التلون والمراوغة، بل لأننا اليوم أمام رئيس دولة، وليس رئيس كتلة «الإخوان» في البرلمان المصري.

محاسبة مرسي ليست في الوقت الذي نخاله يلمع من شدة المثالية المدعاة، بل حينما يظهر الواقع حقيقة معدنه. وكل الشكوك التي يبثها خصوم «الإخوان» في العالم العربي لو ثبتت حقا فلن تخطئها العين، ولن يرحمه وقتها أو يرحم جماعة الإخوان المسلمين مخالفوهم الذين يتربصون لهم بالمرصاد، وسيكون الانتقام منهم أمام صناديق الاقتراع، كما كان الغرام أمامها.

[email protected]