خريف العرب ووحوله

TT

ينسب المؤلف الأيرلندي ستيفن ستار (ثورة في سوريا) إلى المؤرخ السوري سامي مبيض قوله إن بعض أهالي حوران حاولوا في القرن الماضي ترك بلادهم للانضمام إلى الأردن. وإن موقف بعض العاصمة من ذلك كان «فليذهبوا إلى الجحيم. بالناقص خبريه».

أخطر ظاهرة في سوريا اليوم، ليس «إن النظام ينظف نفسه» كما قال الرئيس بشار الأسد لقناة «الدنيا»، بل إن سوريا تتباعد عن نفسها وتتحول إلى تجمعات سكنية (ونفسية) في مناطق حدودية كانت تعتبر مجرد كيانات استعمارية زائفة ومسلوبة من سوريا، كالأردن ولبنان.

تحولت الكيانات الزائفة إلى ملاجئ كبرى للسوريين الفزعين. أبلغ وزير خارجية الأردن الدكتور ناصر جودت مجلس الأمن أن في بلاده 188 ألف سوري، لعل أكثريتهم الساحقة من حوران المجاورة، التي كانت أوائل القرن الماضي مخزن غلال العالم العربي. هناك عشرات الآلاف الآخرون بين تركيا والعراق ولبنان، إضافة إلى مئات آلاف النازحين في الداخل.

هذه الأرقام البشرية تشكل كارثة وطنية كبرى، وليست «تطهيرا ذاتيا» للنظام. كما تشكل ردة قومية كبرى أيضا. فسوريا لم تكن رمز الوحدة الوطنية فقط بل رمز الوحدة العربية أيضا. وباستثناء قلة ضئيلة من ذوي المقدرات فإن الأكثرية الساحقة من النازحين هم من ذوي الفاقات الذين كانت دمشق تتحدث باسمهم وتتحدث عن أمانيهم وتفرد لهم نصف المقاعد في مجلس الشعب، عمالا وفلاحين.

ماذا حدث لقضايا «الطبقات الكادحة»؟ أول ما يتعلمه السوري هو أن يرفع رأسه، اعتزازا أو تعاليا. لذلك يؤلم جدا مشهد هذه الخيام البيضاء التي لا نهاية لها، وقد دخل فصل الخريف العربي بأمطاره ووحوله وخرائبه ودمائه.

عاد الحديث في سوريا عن الإسكندرون، اللواء السليب الذي ضمته فرنسا إلى تركيا. ولكن هل هو حقا القضية أم السوريون الذين يذلهم الخطاب التركي الرسمي الذي يقول كل يوم: «لم يعد في إمكاننا استقبال المزيد من اللاجئين»؟ غابت عن التلفزيونات العربية هذا العام المسلسلات السورية التي لا تصور إلا البأس والشجاعة وتضافر أولاد الحارة ضد الظلم والعسف.

ماذا تعني كلمة «الممانعة» أمام هذا الهروب الجماعي عبر الحدود التي كانت تنظر إليها سوريا في احتقار وازدراء؟ وفي أفضل الحالات بالكثير من الشفقة. المسألة ليست في «التطهير الذاتي» للنظام. المسألة في الكارثة الوطنية والقومية النازلة في سوريا. وللأسف لم يعد لها اسم آخر، على الرغم من غزارة الكلمات.