زفة قنبلة مرسي!

TT

قنبلة مرسي، هكذا عنونت كبريات الصحف العربية صفحاتها الأولى، وكذلك المقالات الرئيسية لرؤساء تحريرها، وبدت معظم الصحف العربية والمصرية وكأنها تقود حملة مدفوعة الأجر للانتصار الوهمي الذي حققه رئيس مصر في إيران في قمة عدم الانحياز، بتسليمه في كلمته التي ألقاها على الصحابة الأربعة، أو بمساواته ما يحدث في سوريا بما تقوم به إسرائيل في فلسطين، دونما أدنى اعتبار لفهم دعائم السياسة الخارجية لدولة منهكة في ميزانيتها الموجودة حاليا في البنك المركزي، وهي 15 مليار دولار، وتحاول أن تقترض من صندوق النقد الدولي 4 مليارات أخرى ليكون لديها سيولة 19 مليار دولار. هذا على المستوى الاقتصادي. أما على المستوى السياسي، فمصر مقيدة الحركة؛ فرئيس مصر لم ينجح في إكمال مهمته في سيناء، لأن إسرائيل طلبت من مصر سحب دباباتها من المنطقة «ج» الممتدة من الشيخ زويد شمالا حتى شرم الشيخ جنوبا، وانسحبت الدبابات المصرية ولم تكمل المهمة. أعرف أن هذا كلام قاسٍ، ولكنه الواقع. فالذي يريد أن يلعب دورا إقليميا لا بد أن تكون لديه الأدوات للعب هذا الدور؛ سواء أكان الرئيس من الإخوان المسلمين أو من الجيش، أو من الجن الأزرق، كما يقولون.

هللت صحيفتان لندنيتان (هذه الصحيفة ليست إحداهما) لقنبلة مرسي في طهران، لأنه (حسبما قالت الصحيفتان) ذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطابه، وانتقد سوريا في عقر دار إيران. وقيل بعدها إن هذا رئيس فحل سوف يستعيد دور مصر الإقليمي. لكن كما يقولون: «منين يا حسرة؟!». الدولة التي ترغب أن يكون لها دور إقليمي قوي لا بد وأن يكون لها جيش ضارب ومسلح تسليحا حديثا، جيش غير مغلول اليد في الحركة على كل أراضيه، جيش مهاب الجانب من كل جيوش الجوار، ويجب أن يكون لديها اقتصاد قوي وسوق قوية تحرص عليها الدول الجارة وغير الجارة، ولديها تماسك داخلي من حيث مؤسسات الدولة وشرعية النظام وقدرة النظام على أن يعول على شعبه في أن يقف وراءه، إذا ما جد الجد.

في مصر بعد الثورة، الاقتصاد على شفا هاوية، والشرعية في أحسن الأحوال لا اتفاق عليها أو ما يعرف بالـ contested legitimacy. والبلد بلا برلمان أو دستور. ترى هل يعالج التسليم على الصحابة في إيران هذه القضايا الكبرى؟ المهم أن يعي الذين هللوا لخطاب رئيس مصر في طهران أن ما قاله الدكتور مرسي، من حيث توسيع مجلس الأمن أو أن تشمل معاهدة الحظر النووي في الشرق الأوسط إسرائيل مثلا، هو ما كان يقوله الرئيس السابق حسني مبارك، ووزير خارجيته أحمد أبو الغيط، بالحرف الواحد في كل المؤتمرات في أفريقيا وفي قمة فرنسا وفي كل التصريحات الخارجية المصرية. فما الجديد هنا؟

أما إذا تحدثنا عن جرأة رئيس مصر في نقد سوريا في قلب إيران؛ فهنا نقطتان. الأولى هي أن نقد بان كي مون لأحمدي نجاد وحديثه عن إبادة إسرائيل، وتقريعه له في قلب طهران وفي ذات القمة، كان أقسى مئات المرات من تسليم مرسي على الصحابة، الذي لا يعول عليه في العلاقات الدولية وغير مفهوم خارج إطار العالم الإسلامي، كان مقبولا مثلا أن يقول هذا الكلام في قمة إسلامية. ترى هل فهم مثلا بان كي مون المفاتيح الثقافية التي تستدعي ذكر رئيس دولة كمصر أسماء الصحابة؟ قد تكون هناك رمزية في الأمر، ولكنها لا يمكن أن تفهم إلا في إطار الترميز الإسلامي، إلا إذا كان هدف الرئيس المصري هو تديين السياسة الخارجية المصرية، أي جعل الدين ملهما ومحركا للسياسة الخارجية. ولو كان هذا هدف مرسي مما قال، فاربطوا الأحزمة، لأننا أمام كارثة من العيار الثقيل. فهو هنا لا يختلف مع إيران، ولكنه يتخذها مثلا يحذو حذوه، فإيران هي واحدة من دول قليلة دينت سياستها الخارجية أو طيفتها، أي جعلت الطائفية محركا أساسيا لسياستها في المنطقة.

إيران كفيل الشيعة في المنطقة، فهل يريد مرسي أن يكون زعيم السنة؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لدول أخرى لديها قدرات أفضل؛ كتركيا مثلا؟ وهل ستقبل بأن تكون مصر مرسي زعيم السنة، أم أن هذا الخطاب لن يؤدي إلى احتكاكات مع الشيعة فقط، بل مع الدول السنية الكبرى، وبذلك يكون الخطاب خرابا على علاقات مصر مع المعسكرين الشيعي والسني إذا جاز التعبير؟ وكل ما سبق من قول مرسي لا يمكن فهمه في ظل تناقضه مع وصفه (أي مرسي) إيران في ختام كلمته بالشقيقة إيران! وهذا توصيف احتفظ به العرب في خطابهم الرسمي للدول العربية فقط؛ فهل يساوي مرسي الدول العربية مع إيران في هذا التعبير، كما ساوى بين إسرائيل ونظام الحكم في سوريا فيما يخص تطلع الشعبين الفلسطيني والسوري للحرية من دولة تقمعهما؟ أم أن هذا خلط يدل على ذهنية مرتبكة ليس لديها مفهوم حاكم أو تصور استراتيجي لعلاقاتها الخارجية؟

لنتفق ولو قليلا مع من يقولون إن مصر سيكون لها دور، ولكن بصبغة إسلامية. لو كان هذا صحيحا لانعكس ذلك على طول الخط في زيارة مرسي لطهران والصين. ففي الصين مثلا لم يتحدث الرئيس المصري عن مشكلة المسلمين في الصين فيما يخص اليوغور أو الهواي، وهما مجموعتان مسلمتان في الصين تعانيان الاضطهاد، ولم يتحدث عن مأساة المسلمين في آسيا وفي بورما والفلبين وغيرها. إذن موضوع أسلمة السياسة الخارجية هو أمر انتقائي يستخدم في خطاب في بلد ولا يستخدم في أخرى.

الموضوع الجوهري ليس الرئيس المصري، بقدر ما هو أنه على الرغم من الثورات لم تتغير ثقافة التطبيل للفرعون الجديد في عالمنا العربي، أي رئيس إسلامي أو غير إسلامي يجب أن يحظى بحفلة طبل وزمر، حتى لو ما قاله مرسي في طهران لم يبتعد قيد أنملة من موقف الرئيس السابق مبارك من قبله، فيما يخص توسيع مجلس الأمن وقضايا منع الانتشار، بل جاء أكثر ارتباكا. ثم للذين احتفلوا بموقف مصر تجاه سوريا هناك سؤال بسيط: هل لدى مصر أي أدوات للتعجيل برحيل الرئيس السوري، أو أن لديها أدوات للتفاوض؟! خطاب مرسي وخروج الوفد السوري من القاعة يجعلان مصر اليوم غير مقبولة كطرف وسيط بين المعارضة والحكم. ويضرب الاقتراح المصري بتشكيل رباعية الاتصال حول سوريا في مقتل.. أي أن موقف مرسي زاد الأمر تعقيدا مما كان عليه.

إعلام ما بعد الربيع العربي يجب ألا يستبدل بالتطبيل لمبارك التطبيل لمرسي. في عهد مبارك كانت تخرج علينا الصحف المصرية بعنوان عريض يقول إن الصحافة العالمية أشادت بكلمة الرئيس، ويبحث رجال الرئيس في أصغر صحف الدنيا بالإبرة ليجدوا كلمة ثناء على مبارك فنجدهم يقتبسون من صحيفة إسبانية في بلاد الباسك أو «الميامي هيرالد» إو «أريزونا مورننغ نيوز»؛ صحف لم يسمع بها أحد حتى بلدانها، فجأة تصبح ممثلة لرأي الصحافة العالمية، وهذا بالحرف ما فعلوه مع خطاب مرسي الذي أشادت به الصحافة العالمية. وعلى الرغم من خطاب مصر والاحتفالية، فإن المنتصر في كل هذا دبلوماسيا كان إيران التي استطاعت أن تضفي شرعية دولية على طموحها النووي، حيث أقرت الدول المجتمعة بحق إيران في ذلك. ويبقى لهم الموضوع ويبقى لنا الشكل، وهذا هو حالنا قبل الربيع وبعد الربيع. للعرب مشكلات حقيقية مع الجوار غير العربي خصوصا الدول التي تحتل الأراضي العربية، مثل إسرائيل وإيران. وهذا يحل بتطوير القدرات لا بالقنابل اللفظية.