المرأة والإمبراطورية

TT

تعددت الحكايات والطرائف عن المرأة والزواج حتى ليمكنني القول: إنها تشكل أكبر ثروة في فولكلور وتراث أي أمة من الأمم. ولكنني أعجبت عندما قرأت مؤخرا حكاية هذا التاجر اليهودي العراقي. من المعروف عن اليهود تضامنهم العائلي الذي يشكل في الواقع سرا من أهم أسرار نجاحهم في الأعمال. جاءه ابنه البكر ذات يوم ليستشيره بعزمه على الزواج من فتاة يهودية مناسبة، قال له والده: كلا، لا يصلح، أنت ما زلت شابا ولم تكتسب خبرة كافية في الحياة، انتظر ولا تستعجل. أجابه ابنه قائلا: ولكن يا أبتِ ماذا تعني بالخبرة الكافية؟ أنا أشتغل معك في سوق الشورجة، أبيع وأشتري وأتعامل مع الناس، وكثيرا ما أنوب عنك خلال غيابك خارج البلاد، ألا يكفي ذلك من الخبرة لأحسن اختيار زوجتي وإقامة عائلة؟

قال له الأب: لا يا بني، العمل في السوق والبيع والشراء والتعصامل مع الناس أسهل بكثير من التعامل مع المرأة وإدارة عائلة.

وكان هذا التاجر رجلا عاقلا، وحرص على تثقيف نفسه بسائر المعلومات والعلوم، أجاد اللغة الإنجليزية كسائر التجار اليهود في العراق ودرس التاريخ مليا، التفت لابنه وقال:

اسمع يا ولدي ما حصل لملك بريطانيا جورج الخامس، واتعظ من سيرته وحكمته، عرف عنه الشدة والصرامة في تربية أولاده إلى حد أن اعترض عليه ذات يوم صديقه اللورد رسل على قسوته معهم، فأجابه: لقد حرص والدي على تربيتي بهذه الشدة، وأقسم بالله إنني سأتبع سيرته في تربية أولادي. مضى هذا التاجر اليهودي فقال: إن الملك جورج بعث بابنه الأمير إدوارد، ولي العهد، للدراسة لسنتين في كل ما يتعلق بالحكم وشؤون البلاط في تلك الأيام التي حكمت فيها بريطانيا خُمس العالم حتى تبجحوا بالقول فوصفوا إمبراطوريتهم بالإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن أراضيها.

وبعد أن أكمل الأمير إدوارد هذه الدراسة، عاد لوالده فسأله: هل أنت واثق أنك فهمت كل شيء يتعلق بالحكم وحقوق العرش وواجباته؟ قال: نعم يا أبتِ، فهمت كل شيء إلا شيئا واحدا، يسمح لي الدستور أن أتولى الملك وأجلس على العرش في سن الثامنة عشرة، ولكنه لا يسمح لي بالزواج إلا في سن الحادية والعشرين، هذا ما لم أستطع فهمه، أستطيع أن أدير كل هذه الإمبراطورية البريطانية وأعلن الحرب على من أشاء وأنهيها كما أشاء وأنا في الثامنة عشرة، ولكن لا أستطيع أن أختار امرأة وأتزوجها إلا في سن الحادية والعشرين! هذا ما تعذر عليّ فهمه.

فأجابه الملك: افهم هذا، إدارة الإمبراطورية البريطانية أسهل بكثير من إدارة امرأة.

والواقع أن ما قاله الملك تحقق بعد سنوات عندما وقع إدوارد في حب امرأة أميركية مطلقة وتسبب في تلك الأزمة الدستورية الخطيرة عندما أصر على الزواج بها والتنازل عن العرش البريطاني وقضاء بقية حياته مشردا خارج بريطانيا.