رئيس البنك المركزي الأوروبي يواجه الاختبار الصعب

TT

ساعد ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، دول منطقة اليورو في الصمود خلال شهر أغسطس (آب)، لكن هل يستطيع مساعدتها على الصمود خلال شهر سبتمبر (أيلول)؟

بدأ دراغي خلال الشهر الحالي في الضغط على المتداولين الدوليين الذين كانوا مقتنعين بانهيار مشروع العملة الأوروبية الموحدة. وأكد دراغي في مؤتمر صحافي في الثاني من أغسطس بعد أسبوع من التصريح بالتزام البنك المركزي بالقيام بأي إجراء من شأنه إنقاذ الاتحاد الأوروبي بقوله: «إن الامتناع عن الرهان على اليورو لا معنى له. إن التخلص من اليورو أمر لا لزوم له». وبدأ المستثمرون، أو على الأقل الذين يغامرون في الأسواق التي ليس بها تداول كبير، يتوخون الحذر خلال الشهر الحالي. ورغم أن اليورو ارتفع بنسبة 3.1% مقابل الدولار منذ 2 أغسطس، مع ذلك يبقى الأمر الأكثر وضوحا هو ارتفاع الأسهم والسندات الضعيفة في إسبانيا وإيطاليا. واندفع الذي لديهم كمية كبيرة من اليوروهات نحو التخلص من الرهانات السلبية، واندفع بعض المتداولين نحو الأصول التي كانوا يزدرونها في السابق.

مع ذلك ستكون أيام سبتمبر لا أيام أغسطس الكسولة هي الاختبار الحقيقي لهمة دراغي في تحريك السوق، حيث سيواجه ضغطا كبيرا لتقديم تفاصيل محددة خاصة بخطته الرامية إلى إنقاذ دول منطقة اليورو الضعيفة من خلال شراء سنداتها. وسيكون موعد أول اختبار هام هو الأسبوع القادم وبالتحديد يوم 6 سبتمبر عند اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي. وسيعقد بعدها دراغي مؤتمرا صحافيا آخر في محاولة لتوضيح ما فعله أو لم يفعله البنك المركزي. وسيكون المتداولون الذين يعانون من تدهور الحال مستعدين للانقضاض مرة أخرى على أي إشارات تتسم بالغموض.

ويسود القلق من رفض ألمانيا منح اليونان مهلة زمنية ومساعدات تسعى للحصول عليها من أجل خفض ديونها وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إخراجها من منطقة اليورو. وتلوح احتمالية أن يمنع حكم من المتوقع أن تصدره المحكمة الدستورية في ألمانيا في 12 سبتمبر الدولة من المشاركة في تمويل خطة إنقاذ جديدة لدول اليورو والتي تحمل اسم صندوق «آلية الاستقرار الأوروبي». لقد ظهر الانقسام الذي تشهده دوائر صناعة القرار في ألمانيا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث انتقد جينسز ويدمان، رئيس البنك المركزي الألماني عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» يوم الأحد بشدة أي تدخل من قبل البنك المركزي الأوروبي في أسواق السندات. مع ذلك قال جورج أسموسين، عضو المجلس التنفيذي بالبنك المركزي الأوروبي زميل ويدمان في حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يوم الاثنين خلال خطاب له في هامبورغ إن على المصرف شراء سندات من أجل إرساء الاستقرار في أسواق الديون الأوروبية.

وهناك آمال كبيرة معقودة على دراغي حيث صرح البنك المركزي يوم الثلاثاء أنه ألغى خططه لحضور الاجتماع السنوي للبنوك المركزية العالمية في الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الحالي بسبب ضغط العمل.

ورغم حالة عدم اليقين، يبدو أكثر حاملي اليورو عازمين على منح دراغي ميزة الشك. وستحدد مدى قدرة دراغي على الحفاظ على حالة السوق الحالية قدرته على حل المشكلة الأساسية التي تعد سبب أزمة اليورو على المدى الطويل وهي كيفية إجبار المتداولين على شراء الأسهم والسندات باليورو والاحتفاظ بها في دول المنطقة التي يمثل ذلك بها مخاطرة كبيرة. وصرح دراغي في المؤتمر الصحافي نفسه الذي عقد بداية شهر أغسطس: «إنك لن تعود إلى الليرة أو الدراخما أو أي عملة».

ويشير ذكر دراغي، الذي لعب دورا سياسيا حيويا في إخراج عملة اليورو إلى النور، للعملة التي كانت تستخدمها بلده إيطاليا في الماضي ووضعها في السياق نفسه مع عملة اليونان البائسة إلى أخذه تشكك كبار متداولي الأوراق المالية باليورو على محمل شخصي. وقال ستيفن جين، خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي مدير صندوق تحوط مقره لندن: «إن الأمر يبدو كأنه يقول: «اجعلوا يومي سعيدا» على طريقة هاري القذر. لا يمكن تصور شخص مثل غرينسبان أو برنانكي يقول شيئا كهذا» في إشارة إلى الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، آلان غرينسبان، والرئيس الحالي بن برنانكي. وأضاف: «لقد كان إيطاليا جدا وقويا جدا».

السلاح الذي اختاره دراغي أكثر تقدما من سلاح «44 ماغنوم» من «سميث أند ويسون» الذي يفضله كلينت إيستوود في سلسلة أفلام «هاري القذر» التي قام ببطولتها. مع ذلك من وجهة نظر الأسواق المالية، لا توجد قوة في إشارته إلى شراء البنك المركزي سندات دول مثل إسبانيا وإيطاليا في حال التزامها بإجراءات قاسية تهدف إلى خفض العجز وتحسين وضعها الاقتصادي.

ويطالب المستثمرون دراغي منذ توليه رئاسة البنك المركزي في فرانكفورت الخريف الماضي بإثبات مزاعمه في هذا الشأن. لقد كانوا يراهنون على عدم قدرته على إقناع البنك المركزي الألماني، الذي يعد أكبر ممولي دول منطقة اليورو، بدعم أي شكل من أشكال شراء السندات حيث سيتم النظر إلى هذا باعتباره إنقاذا لحكومات مسرفة. ومع ذلك الرأي الذي يكتسب زخما هو القائل بأن دراغي ربما يكون بصدد إقناع ألمانيا بأن شكلا ما من أشكال التدخل من قبل البنك المركزي، مثل الالتزام بشراء سندات خزانة إسبانية أو إيطالية عندما ترتفع سعر فائدتها عن مستوى محدد، قد يكون مبررا.

ويتمثل التحدي في عرض الأمر كخطوة باتجاه وحدة مالية في ظل تنازل دول منطقة اليورو المتعثرة لبروكسل عن المزيد من السيطرة على ميزانيتها. هكذا يرى أكسيل ميريك الأمر. وميريك هو رئيس صندوق استثماري في باولو ألتو بولاية كاليفورنيا وكبير مسؤولي الاستثمار به. ويتولى الصندوق إدارة استثمارات لها علاقة باليورو تقدر قيمتها بـ600 مليون دولار. ونظرا لأنه من كبار متداولي اليورو بدأ في شراء العملة بشراهة عقب مؤتمر دراغي الصحافي مباشرة لاقتناعه بأنه تم الإعلان عن الالتزام بسياسة محددة.

وقال ميريك: «يقوم دراغي بما لا يقوم به السياسيون بفرضه رؤية تدعمها القواعد والشروط. إنه يقول أساسا لهذه الدول إنني سأشتري سنداتكم إذا قمتم بالتخلي عن السيطرة على ميزانيتكم. إنه يوضح ما سيقوم به ويضع الناس في موضع المسؤولية. ربما يراه البعض عبقريا، لكن ما يقوم به منطقي وبديهي».

ولكن لم يغير الكثير من المستثمرين رأيهم الأساسي بأن العملة ستضعف حتما على المدى الطويل مع تدهور الأحوال الاقتصادية في الدول المتعثرة ومقاومة الدول الغنية مثل ألمانيا تقديم المزيد من المساعدات النقدية. ويرى البعض أن إيطاليا تثير القلق أكثر من إسبانيا. وربما يكون شراء السندات مفيدا على المدى القصير، لكنه لا يفيد كثيرا في معالجة عجز إيطاليا عن النمو بسرعة كافية تمكنها من تسديد ديونها التي تجاوزت 120% من اقتصادها الكلي.

وقال جينارو بوتشي، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق «بي في إي كابيتال» الاستثماري في لندن والذي يركز على السندات الأوروبية: «المشكلة الحقيقية هي إيطاليا. لم تعد المصارف تمنح قروضا وترتفع الديون مقارنة بإجمالي الناتج المحلي. كلما سارعت الدولة إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، كان الوضع أفضل». وربما تثبت صحة هذا الرأي على المدى الطويل، لكن عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في منطقة اليورو، ترتبط النظرة إلى الاستثمار بالمدى القصير إلى حد كبير. وتعد هذه هي المشكلة الرئيسية بالنسبة لدراغي، حيث تبقى حمى الشراء والبيع من قبل المستثمرين الأجانب المستثمرين على مناخ الخوف وعدم اليقين في السوق.

على سبيل المثال كان المستثمرون يبيعون أسهم وسندات منطقة اليورو تقدر بنحو 80 مليار يورو (100.6 مليار دولار بحسب سعر الصرف الحالي) من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) من العام الحالي نتيجة الخوف من خروج اليونان من منطقة اليورو. واشتروا في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) أسهم وسندات دول منطقة اليورو بقيمة 86 مليار يورو، حيث بات من الواضح أن أسوأ الفروض لن يتحقق. لا يمكن أن يثمر عن هذا النوع من التأرجح في مزاج السوق استثمار رأسمالي طويل المدى قادر على الحفاظ على النمو الاقتصادي.

يتمثل التحدي بالنسبة لدراغي في إقناع المتداولين الجدد المتفائلين في منطقة اليورو بالحفاظ على مواقفهم وإقناع الآخرين بأن المياه عادت إلى مجاريها وأن الوضع أصبح آمنا. ولتحقيق ذلك عليه أن يقنعهم بأنه، على عكس سلفه جان كلود تريشيه، ليس رهينة القواعد التي تحد من نفوذ وقدرة البنك على التدخل.

ويقول جينس نوردفيغ، مخطط استراتيجي في السندات والعملة لدى «نومورا» في نيويورك: «لقد وضع دراغي خيار شراء السندات مرة أخرى على الطاولة رغم عدم وجود حل للأزمة وهذا يخرج جزءا كبيرا من المخاطرة من المعادلة». وينصح نوردفيغ عملاءه بالتخلص من الأوراق المالية المتداولة باليورو المعرضة للخطر قبل مؤتمر دراغي الصحافي المزمع عقده الأسبوع المقبل. وينظر إلى دراغي كرجل مرن وعملي جدا وهي الصفة التي تحترمها السوق على حد قول نوردفيغ الذي يؤكد أن السوق لا تحترم الجمود والانغلاق الفكري، مشيرا إلى أن المرء سيلقى حتفه إذا تصرف على هذا النحو في الأسواق.

* خدمة «نيويورك تايمز»