الأردن ومصر.. وصفات غير شعبية!

TT

تفادى الأردن أزمة سياسية ليس وقتها الآن في ظل العواصف التي تمر بها المنطقة وكانت تهدد بطرح الثقة في الحكومة بعد القرار الذي أصدره العاهل الأردني بتجميد قرار الحكومة الأخير برفع أسعار بعض أنواع الوقود للمرة الثانية خلال شهرين والتي تسببت في احتجاجات وطلب طرح الثقة من قبل نواب.

وينطبق على هذا التدخل مقولة أن الاقتصاد أخطر من أن يترك للاقتصاديين وحدهم، فلا توجد حكومة تود أن تتخذ قرارات غير شعبية تؤدي إلى رفع أسعار سلع حيوية بالنسبة إلى معيشة الناس، لكنها في نفس الوقت مطالبة بتسوية دفاترها والموازنة بين نفقاتها وإيراداتها، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بدعم سلعة تتقلب أسعارها في السوق الدولية مثل البترول وسجلت ارتفاعات كبيرة في السنوات الأخيرة بما يعني أن فاتورة الدعم ترتفع مع كل دولار زيادة في سعر البرميل.

هي مشكلة لا تقتصر على الأردن وحده بل تمتد إلى الكثير من الدول العربية التي تبنت سياسات الدعم من أجل إحداث انخفاض اصطناعي في أسعار السلع الرئيسية، ويعتقد أن مصر الناصرية هي التي بدأت سياسة الدعم والأسعار المصطنعة في الستينات واستمرت حتى اليوم لتصبح كابوسا لكل الحكومات حتى اليوم، تزداد فاتورة الدعم لتصل إلى عشرات المليارات. وتحاول كل حكومة أن تجد حلا بشكل خجول في أحيان كثيرة ينفجر في وجهها وتضطر للتراجع، وقد كانت مثلا كل الحكومات المصرية طوال 3 عقود تعيش تحت هاجس مظاهرات الخبز التي حدثت في أواخر السبعينات عندما حاولت الحكومة التي كانت تسعى وقتها لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى إلغاء بعض الدعم على سلع رئيسية.

وتحضر هنا قصة ما نقل عن أحد مفاوضي صندوق النقد الدولي خلال جولة أخذ ورد مع حكومة مصرية في الثمانينات عند سؤاله في جلسة دردشة مغلقة ردا على السمعة السيئة لدى الرأي العام للروشتة أو الوصفة التي يقدمها الصندوق وهي عادة إجراءات تهدف إلى خفض العجز المالي وبينها عادة خفض الدعم للسلع قوله: المشكلة أننا نقدم اقتراحاتنا فترفض، فنطلب منهم اقتراحات بديلة لخفض عجزهم المالي فلا يقدمون شيئا ثم يقبلون في النهاية برنامجنا بعد مماطلة وتأجيل وينفذونه مثل التلميذ البليد فتأتي النتيجة سيئة ونضطر إلى العودة للمفاوضات من جديد.

الإبقاء على الدعم بهذه الطريقة مشكلة تكبر مع الزمن لأن أسعار السلع الرئيسية مثل البترول والحبوب تحددها السوق العالمية وفي بعض الأحيان الطقس في قارات أخرى، وهي مثل الذي يقترض وهو يعرف أنه سيصل عند نقطة معينة إلى حائط مسدود لا يستطيع أن يسدد أو يقترض فيه، وإلغاء الدعم مشكلة كبيرة هو الآخر لأنه مهما جرى تقديم أرقام وحسابات فإن رجل الشارع العادي لا يستطيع تحمل أسعار تفوق بكثير دخله، وعادة ما تكون قرارات اقتصادية من هذا النوع سببا في اضطرابات اجتماعية وثورات.

في مصر اكتشفت الحكومة الجديدة التي تشكلت بعد تولي محمد مرسي الرئاسة حقائق الاقتصاد الضاغطة مبكرا، ودخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للاقتراض لمعالجة عجز ميزان المدفوعات من جهة وللحصول على شهادة ثقة من جهة أخرى تفتح الباب أمام قدوم المانحين والمقرضين الدوليين الآخرين بما في ذلك البنك الدولي المختص بتمويل المشاريع. وقد بدأت الحكومة حسب التصريحات الصادرة في مناقشات حول خفض النفقات ووسائل خفض الدعم إلى آخر الإجراءات المعروفة.

لن تكون قضية سهلة، وأي إجراءات سواء في مصر أو الأردن ستواجه بمقاومة من الشارع الذي يعاني جزء كبير منه من ارتفاعات الأسعار، وقد يؤجل الاقتراض أو حتى المنح التي لا تسدد المشكلة لكنه لا يحلها، وستعود لتطل برأسها من جديد لتكون المسألة أشبه بالاقتراض من الأجيال المقبلة لتيسير معيشة اليوم، والاقتصاد سيبقى معطلا بحكم الأثقال التي تعيق حركته، الحل هو في توازن الاقتصاد، الموارد والنفقات، أو البحث عن طرق لزيادة الموارد، وقد يكون جزء كبير من الحل هو تسويق قرارات غير شعبية للرأي العام، أي شرح الحقائق له بشفافية، والبرامج المنوي اتخاذها.