فهم الفوارق في السياسة الخارجية بين أوباما ورومني

TT

الانتخابات الرئاسية المقبلة ستحدد على الأرجح ما إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا ستقومان بعملية كبرى جديدة للحد من الأسلحة النووية، وما إذا كان سيتم تزويد ثوار سوريا بالأسلحة الأميركية، وما إذا كان سيتم سحب المزيد من القوات الأميركية من أفغانستان العام المقبل، وما إذا كانت واشنطن ستجدد الضغوط على إسرائيل للقبول بشروط إقامة دولة فلسطينية، كما أن هذه الانتخابات من الممكن أن تخفض بشكل كبير من سقف توجيه ضربة عسكرية أميركية ضد إيران. وأنت بالطبع لن تعرف أيا من هذا من خلال الاستماع إلى المؤتمرات الحزبية، حيث يبدو ميت رومني وباراك أوباما مصممين على تجنب إثارة أي جدل يتسم بالجدية. وقد ترددت في المؤتمر العام للحزب الجمهوري الذي عقد الأسبوع الماضي أصداء شعارات مبهمة تتحدث عن «القيادة الأميركية» و«ضعف» أوباما، ويمكنك أن تتوقع هذا الأسبوع أن تسمع الكثير من مدينة تشارلوت عن مقتل أسامة بن لادن وانسحاب القوات الأميركية من العراق.

وهذا لا يعني - كما يحب البعض في مجال السياسة الخارجية أن يقول - أن هذه الانتخابات الرئاسية لن تغير الكثير، حتى في حال فوز رومني. صحيح أن المصالح الأميركية والسعي إلى تحقيقها يظل في الغالب ثابتا بشكل عام عبر الرئاسات المختلفة، فقد حارب أوباما تنظيم القاعدة بنفس الشراسة التي كان جورج دبليو بوش يحاربه بها، وإذا انتخب رومني فسوف يتخلى بالتأكيد عن تهديداته بإشعال حرب تجارية مع الصين كما فعل بوش وبيل كلينتون بالضبط، إلا أن هناك بعض الفوارق الكبيرة والساطعة في هذه الانتخابات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهذه الفوارق ستكون لها في الغالب انعكاسات عملية، أكثر حتى من الانعكاسات المتعلقة بالاقتصاد، في غضون أشهر من الانتخابات، نظرا لأن تحرك الكونغرس لن يكون ضروريا في الأغلب. وعلى الرغم من أن المرشحين لا يتحدثان عن هذه الفوارق، فمن السهل بما يكفي العثور عليها في مذكرات إبداء المواقف الخاصة بهما، أو في حالة أوباما السجل الخاص بفترة ولايته الأولى.

ولنبدأ بروسيا، فلا يهم الادعاء الذي يردده رومني كثيرا بأن روسيا هي «عدونا الجيوسياسي رقم واحد» أو نظرية أوباما المبتذلة عن «إعادة صياغة» العلاقات مع موسكو، بل إن الفارق المهم هو أن أوباما، إذا أعيد انتخابه، سوف يسعى لإبرام صفقة جديدة مع فلاديمير بوتين تقضي بتقليص المخزون النووي الأميركي والروسي بصورة كبيرة، وقد اعترف في شهر مارس (آذار) الماضي بأنه في سبيل هذا سوف يضطر إلى القبول بحل وسط مع بوتين فيما يتعلق بخطط الولايات المتحدة و«حلف الناتو» بشأن الدفاع الصاروخي، وأكد للرئيس الروسي حينها ديمتري ميدفيديف، فيما كان يظن أنه حديث سري على انفراد: «بعد انتخابي ستكون لدي مرونة أكبر» بخصوص ذلك.

أما سياسة رومني فربما تكون قريبة من العكس، حيث عارض بقوة عام 2010 «المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية» التي عقدها أوباما مع روسيا، والتي أدت إلى تقليص طفيف في عدد الرؤوس النووية. وفي المقابل تعهد رومني بزيادة الإنفاق على الدفاع الصاروخي، الذي يعتبر قضية أثيرة لدى الحزب الجمهوري منذ 3 عقود. وبالتالي فإن هناك اختيارا واحدا واضحا وهو: إما تقليل عدد الرؤوس النووية أو زيادة الدفاع الصاروخي.

بعد ذلك تأتي المعارك العسكرية الأميركية، سواء الحالية أو المحتملة في المستقبل. فكل من أوباما ورومني يؤيد خطة «حلف الناتو» لسحب القوات القتالية من أفغانستان بنهاية عام 2014، مما أثار بعض التعليقات الضعيفة التي توحي بأنهما لا يختلفان فيما يتعلق بالحرب. والحقيقة أنهما يختلفان على الأرجح حول سؤال ملح وهو: هل ينبغي تقليص حجم القوات الأميركية العام المقبل؟ وأغلب الظن أن أوباما سيأمر بتقليصها، أما رومني فقد ذكر أنه سيسير على نصيحة الجنرالات الأميركيين، الذين سيوصون في الغالب بأن يتم تثبيت حجم القوات البالغ 68 ألف جندي بعد سبتمبر (أيلول) المقبل على مدار العام المقبل.

وحول سوريا، رفض أوباما مرارا مقترحات بأن تساعد الولايات المتحدة في إقامة مناطق آمنة للمدنيين أو تزويد الثوار بالأسلحة، أما رومني فقد أعلن تأييده لتسليح المعارضة. ثم ماذا عن إيران؟ كلا الرجلين أعلن أنه سيستعمل القوة كملجأ أخير لإيقاف برنامج طهران النووي، ولكن هناك فارق جوهري: فبينما قال أوباما إن لديه «سياسة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي»، قال رومني في إسرائيل هذا الصيف إنه لن يسمح بأن تمتلك إيران «إمكانية» نووية. وبعبارة أخرى، فإن أوباما لن يستعمل القوة في الغالب إلا إذا حاولت إيران فعليا تصنيع قنبلة نووية، أما رومني فقد يشن هجوما إذا ما اقتربت إيران، مجرد اقتراب، من الحصول على جميع وسائل تصنيع سلاح نووي، وهي قريبة من هذا بالفعل.

وأخيرا وليس آخرا، يأتي الصراع العربي - الإسرائيلي. فأوباما وصل إلى السلطة بطموح متوهج للتوسط في إعلان قيام دولة فلسطينية، ويبدو أن هذا المسعى بالإضافة إلى تقليص الأسلحة النووية هما القضيتان المسيطرتان عليه وجدانيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. ويعتبر الضغط لإقامة دولة فلسطينية واحدا من أكبر إخفاقات الإدارة الأميركية، ويعود ذلك في معظمه إلى عثرات أوباما نفسه، وقد تم تأجيل هذا الملف أثناء عام الانتخابات، ولكن يبدو من المرجح أن يحاول أوباما مرة أخرى في حال إعادة انتخابه، على الرغم من ضعف علاقاته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وعلى العكس، فقد أوضح رومني أنه سوف يضع قضية إعلان دولة فلسطينية في مرتبة ثانوية، مثلما فعل جورج دبليو بوش في فترة ولايته الأولى.

ومن المؤكد أن هذه الفوارق قد لا تعني الكثير بالنسبة للناخبين بقدر مستقبل الرعاية الصحية أو مستقبل المحكمة العليا، إلا أنها مهمة حقا، ولهذا فإنه من المخجل أن لا تتحدث أي من الحملتين عنها.

* خدمة «نيويورك تايمز»