عذابات الغربة

TT

يقال: «تغرّبْ يوما تزدَد علما». وقد تغربت كثيرا فازدادت معلوماتي سبعة أضعاف، ولكنها مع الأسف جاءت كلها من باب الحمامات. ففيه توصلت إلى هذه الحقيقة التي ينبغي على أي مسافر أن يلم بها في أيام السفر هذه. على كل من يهم باستعمال الدش أن يتلو الشهادتين ويستغفر ربه تماما قبل أن يفتح الدش على رأسه. فكم من الرجال والنساء أصيبوا بجلطة أو نوبة قاتلة نتيجة هذا الفعل. تذكر أنه لا يوجد في العالم دشان متشابهان، فلكل دش تفكيره ومنحاه الخاص، تماما مثل أبناء العراق، وأن الدرجات المكتوبة على المفتاح لا تطابق مطلقا درجة حرارة الماء الخارج من ثقوب الدش، تماما مثل معظم ساسة العرب، يتباكون على ما يجرى في سوريا ولا يبادرون لإنقاذها، يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر. فضلا عن ذلك، إن الانتقال من أبرد درجة إلى أعلى درجة لا يحتاج إلا إلى لمسة خفيفة لمفتاح الدش. الطريقة الوحيدة للحصول على الحرارة المناسبة هي أن تحاول كل الدرجات من أبردها إلى أحرها. وتكون أثناء ذلك قد كويت رأسك وصدرك وثلجتهما بما لا يقل عن عشرين مرة.

الحقيقة، وما دامت السلامة أفضل من الندامة (وهذا مثل موجود لم أخترعه)، فتحاشي استعمال الدش من أبواب الحكمة. وقد تجد كما وجدت أن من الأسلم الرجوع إلى بيتك بوساختك من أن تعرض حياتك لهذه الآلة الإرهابية.

الآلة الإرهابية الأخرى هي تليفون الفندق، فهو أصبح مثل الدش، لا يوجد منه جهازان متشابهان، فحيثما تذهب إلى فندق 5 نجوم ستواجه جهازا من تصميم مختلف. ستقضي يومين أو ثلاثة حتى تتعلم كيف تستعمله وتتعلم على كل ما فيه من أزرار وأنوار وأسرار. وبعد أن تكون قد ختمت ذلك يحل موعد رحيلك. ولن ينفعك ما تعلمته من تكنولوجيا. ففي الفندق الآخر ستجد جهازا بمواصفات مختلفة كليا. خذ نصيحتي. انزل دائما في فندق نجمة واحدة، فهناك ستجد التليفون القديم البسيط الذي لا يوجع رأسك.

وأخيرا تذكر أن الفنادق ليست مكتبات عامة ولا غرفة مطالعة وتكره المثقفين. لا تتعب نفسك وتجلب معك كتابا للمطالعة. لن تجد النور المناسب للقراءة. غرف الفنادق الراقية معدة لشتى الأغراض المشرفة وغير المشرفة، ولكن المطالعة ليست منها. الظاهر أنهم يفترضون أن زبائن الـ5 نجوم أناس أميون، وبالطبع هم مصيبون في ذلك غالبا. تجد في الغرفة شتى المصابيح في شتى الأوضاع والأماكن وبشتى الأزرار والمفاتيح. ستحتاج إلى يومين أو ثلاثة حتى تكتشف أي زر يشعل أو يطفئ أي مصباح. ولكن لن تجد واحدا منها يساعدك على المطالعة.

نصيحة ثالثة بالبلاش؟ حسنا. التزم بفندق نجمة واحدة ولا تحِد عنه. ستجد في الغرفة لمبة واحدة متدلية من السقف في أحسن زاوية مناسبة للقراءة. وكفى الله المؤمنين شر القتال. يمكنك أن تعرف مثل هذه الفنادق من أسمائها، فهي لا تحمل أسماء إمبريالية دخيلة، وإنما تتمسك بصور البلاغة العربية الأصيلة، مثل: «فندق وجنة الشارع» و« فندق زهرة الموسم» و«نزل صباح الخير». يمكنك أيضا أن تعرف بأنك واقف في واحد منها عندما يطلب منك موظف الاستقبال أن تثبت أن المرأة التي معك زوجتك. في فنادق الـ5 نجوم يعتبرون مثل هذا السؤال تجاوزا على حقوق الإنسان والمجتمع المدني.

يواجه المتزوجون مشكلة الخيار بين سرير لنفرين أو سريرين كل واحد لنفر. تختار زوجتي دائما السرير المزدوج، ليس حبا بي وإنما ليمكنها أن تسدد لي رفسة عاتية تضمن توقفي عن الشخير. للسرير المزدوج مزايا كثيرة، ومنها أن الرجل لا يستطيع أن يزوغ من زوجته ويخرج بسهولة بوضع مخدة في مكانه على السرير المنفرد توهم الزوجة بأنه ما زال نائما تحت البطانية.