تركيا بين ناري «العمليات الإيرانية» و«الطموحات الكردية»!

TT

قبل فترة زمنية ليست بالبعيدة، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بفخر، إن الأتراك صار بوسعهم السفر من دون تأشيرة إلى إيران وسوريا ولبنان. كم تغيرت الظروف.. الأتراك صاروا معرضين للخطف في لبنان، وغير مرحب بهم في إيران؛ إذ حدد رئيس الأركان الإيراني تركيا بوصفها «بلدا مستهدفا».. أما سوريا، فإن الحرب أغلقت الحدود بين البلدين.

كم تتغير الظروف، رغم أن الشخص هو نفسه؛ ففي يونيو (حزيران) 2010 وجه أردوغان دعوة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لزيارة تركيا، وكان ذلك بتوصية من خالد مشعل الزعيم السياسي لـ«حماس»، عقب تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن «إمكانية إقامة تحالف إيراني - سوري - تركي يضم حزب الله وحماس».

بعد 18 شهرا من الحرب في سوريا، كثرت الأعباء على تركيا، وكثرت الانتقادات والقلاقل داخلها.. فمع بدء «الربيع العربي»، شعر أردوغان بأن تصريحاته كان لها تأثير على مصر، وأن تركيا التي أعاد رسمها، صارت نموذجا يحتذى في السياسة الدولية لتحويل منافذ «الربيع العربي» باتجاهه. زادت ثقة أردوغان مع سقوط العقيد معمر القذافي وشعر بأنه على حصان سيعبر به جميع الدول العربية.. فإذا بالحرب في سوريا تطول، وتتسبب في تحقيق أكراد سوريا ما يشبه الحكم الذاتي، وإذا تطورت الأمور أكثر، فقد ينفصلون عن بقية سوريا.

وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية «صفر مشكلات» احتار الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة كيف أنه ما من أحد يصغي لتركيزه على ضرورة إقامة ملاذات آمنة داخل سوريا لحماية اللاجئين. ثم جاء رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي ليقول صراحة أن لا مجال لإقامة مثل هذه الملاذات لأنها تحتاج إلى عمل عسكري لحمايتها من الصواريخ.

كشف الجنرال الأميركي خداع الغرب الذي يتحجج بالفيتو الروسي والصيني، لعدم القيام بأي شيء لحماية المدنيين السوريين، وإذا بتركيا تشعر بأن التخلي الغربي عن الشعب السوري هو تخل عنها، ولا يكفي الاتصال الهاتفي الذي يجريه أسبوعيا الرئيس الأميركي باراك أوباما مع أردوغان.

وسط هذه الخيبات، تعيد تركيا مراجعة حساباتها، خوفا من أن تصبح الخاسر الكبير في النهاية. فبعد تحديدها من قبل إيران بأنها بين «الدول المستهدفة»، تخشى أنقرة من ردود فعل إيران.. على سبيل المثال، يمكن أن تحد من العلاقات الاقتصادية، وتقطع تحويلات الغاز، والتقليل من زيارات السياح الإيرانيين إلى تركيا، والأفظع منع الشاحنات التركية من استخدام الطرق الإيرانية للوصول إلى دول آسيا الوسطى. ويقلق تركيا قدرة إيران على خلق مشكلات أمنية لها؛ فتاريخ إيران لجهة العمليات السرية في تركيا معروف.. ففي 1 سبتمبر (أيلول) الحالي كشفت صحيفة «زمان» التركية عن أن الاستخبارات التركية استدلت على مائة جاسوس إضافيين مدربين أرسلتهم إيران إلى تركيا بدءا من شهر مارس (آذار) الماضي. وقد توغل هؤلاء تحت ستار أنهم صحافيون وعاملون في السفارة الإيرانية في أنقرة، وهذا يعني أن قسما منهم يعمل تحت غطاء دبلوماسي داخل تركيا.. نجح هؤلاء الجواسيس في إقامة اتصالات مع أعضاء «حزب العمال الكردستاني»، وجمع معلومات عن المنشآت العسكرية، واللاجئين السوريين، وركزوا أنشطتهم في المقاطعات الشرقية والجنوبية الشرقية. وقالت صحيفة «زمان» إنه تم إلقاء القبض على إيرانيين اثنين بتهمة نقل معلومات عن المعارضة السورية المسلحة فوق الأراضي التركية.

لذلك، وبعد أوامر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي بالقيام بعمليات خارج إيران، بات الخوف من أن تعود تركيا مسرحا للعمليات الإيرانية السرية، وأن تستيقظ «الخلايا النائمة» وتحرك شبكاتها القديمة، لكن هذه المرة، خلافا للمرات السابقة، سيتم استهداف تركيا في الداخل، وحلفائها الغربيين والعرب فوق أراضيها.

ويقول مسؤول تركي، إنه لهذه الأسباب الكثيرة، ما زالت تركيا ترغب في أن تجد تحالفا ما مع إيران، رغم خلافاتهما بشأن سوريا؛ إذ يجمعهما موقفهما المعادي للأكراد في بلديهما.

مع الوضع الجديد الذي وصل إليه أكراد سوريا، زادت هجمات «حزب العمال الكردستاني» داخل تركيا، تشجعهم على ذلك الطموحات الكردية في سوريا. يريد الأكراد أن يروا كردستان الكبرى التي تضم المنطقة الكردية في سوريا. وهذا يشكل مشكلة لتركيا حيث للأكراد عندها طموحات سياسية. وتزداد القضية حساسية بالنسبة للأتراك، لأن «حزب العمال الكردستاني» يسيطر على المناطق الجبلية الكردية شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية.

أكراد سوريا وأكراد تركيا يعرفون أن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، مرجعهم، ويمكن أن يساهم في تحقيق طموحاتهم. والمعروف أن بارزاني حليف قوي لتركيا، بينما جلال طالباني حليف لإيران. ومن المؤكد أن الأكراد يريدون دولتهم الكردية الكبرى، لكن، إذا تحقق الأتراك من المدى الكامل للطموحات السياسية الكردية، فإنهم لن يرحموا، وسيتسبب هذا بمشكلة كبرى لبارزاني.. لذلك، كما يقول أحد العارفين، قرر الآن أن يلتزم بالهدوء، «مع أنه سوف يفعل كل ما بوسعه لإنشاء الدولة الكردية خلال موسم الانتخابات النيابية العراقية عام 2014».

وفي تصريح لصحيفة «حرييت» التركية، قال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي فر إلى تركيا، إن تصعيد الأنشطة الإرهابية لـ«حزب العمال الكردستاني» أمر متوقع، نظرا لتحالف أنقرة مع الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد، «لأن هذه ورقة الضغط التي يحركها النظام السوري وبدعم من قوى إقليمية أخرى لابتزاز تركيا لوقف دعمها للشعب السوري». ونصح الحكومة التركية بأن «الوقت قد حان لتقدم على خطوة تاريخية من أجل استيعاب المشكلة الكردية عن طريق السعي لوضع حد لهذه الحرب».

وتحدث الهاشمي، عن أن العراق أصبح ممرا لدعم النظام السوري، وأن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي أرسل بعض أفراد الميليشيات العراقية لمساعدة النظام السوري. كما قدمت بعض المصارف العراقية دعما لسوريا خارقة الحصار.

في غضون ذلك، يزداد القلق في تركيا، خصوصا في محافظة هاتاي، حيث السكان غير راضين عن زيادة عدد اللاجئين السوريين، وتسلل عناصر «حزب العمال الكردستاني» ونشطاء جهاديين ينتشرون تحت ستار اللاجئين. كما يشكو السكان من سوء تصرف بعض السوريين.

كما حصل تمرد في مخيمات اللاجئين، وهذا يعني أن تركيا، بالإضافة إلى حماية مواطنيها، عليها أيضا حماية أمنها، خصوصا أن هاتاي أصبحت بقعة تجمع ليس فقط للمقاتلين الإسلاميين، ولكن أيضا لأجهزة استخبارات الدول الغربية وإسرائيل القلقة من إرهاب المتطرفين الإسلاميين.

أمر آخر يقلق أنقرة؛ فهي تشعر بأن هناك جهودا مبذولة لجعل هاتاي جزءا من الدولة العلوية، المخطط إنشاؤها. كثيرون يستبعدون ذلك. ثم إن هناك اختلافات في التفكير والحياة بين علويي تركيا وعلويي سوريا، إلا أن القضية تجاوزت هذه التفاصيل الآن، وإن استخبارات الدول في المنطقة تدرس ما إذا كانت إقامة دولة علوية هو الخيار الأفضل. فلقد استقلت هاتاي مرة لمدة تسعة أشهر؛ منذ 7 سبتمبر 1938، حتى 29 يونيو 1939، ورفعت علمها فوق ما يعرف اليوم بمقاطعة هاتاي!

هل لكل هذه الأسباب، عادت الاتصالات السرية بين تركيا وإسرائيل؟

يقول مصدر غربي إن العلاقات يمكن أن تتحسن بسرعة لولا وزيري خارجية البلدين، المعروفين بوجهات نظريهما المتشددة بالنسبة للخلاف التركي – الإسرائيلي، كما حول من يجب أن يحكم سوريا بعد الأسد.

داود أوغلو يستمر في دعم «الإخوان المسلمين» ليحكموا سوريا، وهذا يشعر إسرائيل بالقلق، خصوصا أن عناصر أكثر تطرفا بدأت تسيطر على المعارضة السورية.

ويتوقع المصدر أن تستمر الاتصالات بين البلدين لتحسين العلاقات، ما لم تقم إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران؛ عندها سيتوقف كل شيء، فإيران من أهم شرايين الاقتصاد التركي!