نصاب!

TT

أعلن منذ أيام قليلة عن وفاة «أغرب» الشخصيات العالمية، ولكنها في نفس الوقت أكثر الشخصيات النافذة وصاحبة علاقات مقربة جدا من صانعي القرار العالمي. وأعني القس سون ميونغ موون عن عمر تجاوز الـ92 عاما، وهو الذي أسس الكنيسة الموحدة في موطنه بكوريا الجنوبية في عام 1954 بعد أن «التقى» المسيح (عليه السلام) في عام 1936 وطلب منه أن يكون هو المسيح الثاني ويكمل مسيرته التي لم يستطع هو إنجازها «لأسباب خارجة عن إرادته» وليؤسس مملكة السماء على الأرض.

وبدأ هذا الرجل بتوسيع رقعة نفوذه ونشر دعوته عالميا، وبدأ تطبيق «بنود» غريبة ضمن شروط الدعوة على الغربيين الذين ينتمون لكنيسته، وكان الطلب يقتضي أن يتركوا كل ثرواتهم وممتلكاتهم الدنيوية لصالح الكنيسة و«يتجردوا» من الماديات تماما، بل ويتخلوا عن آبائهم وأمهاتهم الحقيقيين ويتبنوا أبوين من الكنيسة كأبوين حقيقيين «فعلا». وطبعا، كان جراء ذلك أن أصبحت ثروة هذا القس تقدر بالبلايين من الدولارات وأصول في كل أنحاء العالم من قصور وجامعات ومكاتب وأراض.

وفي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أصبح الرجل واحدا من أهم القادة الروحانيين في العالم وأصبح ذا نفوذ هائل وعلى علاقات بأهم رؤساء الدول والشركات في العالم، وتخطى عدد تابعي كنيسته أكثر من أربعة ملايين من أصحاب المداخيل المرتفعة، وكان الرجل - وكنيسته - معروفا بأعراسه الجماعية التي دخل بسبب أحدها موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، عندما أقدم على تزويج 6516 زوجا في استاد سيول الأولمبي عام 1988 ليرسلهم للعالم «ليحاربوا القيم الخاطئة والشيوعية».

وتمكن هذا الرجل من اختراق التيار الديني المحافظ في الولايات المتحدة وبات من أهم المتبرعين للحزب الجمهوري وخصوصا أيام الرئيس الأسبق رونالد ريغان وخلفه جورج بوش الأب، فتملك صحيفة «الواشنطن تايمز» التي تصدر من العاصمة الأميركية والتي تحولت لصوت وبوق المحافظين الجدد ومادة لا بد من قراءتها لمعرفة أسلوب وطريقة تفكير هذا الفريق.

وتوسع الرجل في استثماراته المثيرة للجدل فتملك محطات التلفزة والصحف والفنادق والمنتجعات وملاعب الغولف ومراكز التسوق والجامعات والمصانع (بما فيها مصنع كوريا للسلاح) وآلاف العقارات حول العالم، بل وسع استثماراته لتشمل شركة لرقص الباليه. وتمكن بعلاقاته من أن يدعو متحدثين من الوزن الثقيل لمناسباته المختلفة من أمثال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق إدوارد هيث والعسكري الأميركي ووزير الخارجية الأسبق ألكساندر هيغ، وحتى الرئيس السوفياتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف. كان لديه قناعة بأنه الوحيد القادر على توحيد الكوريتين، وحاول بناء علاقة مع كيم إيل سونغ - الزعيم الكوري الشمالي المؤسس، ولكن لم يتمكن من تحقيق أي شيء يذكر.

الشيء المثير للجدل أن هذا الرجل بتصرفاته الغريبة لا يمكن إلا أن يندرج تحت بنود النصب والاحتيال، ولكنه تمكن من خداع العالم الذي استغله واستغل أمواله لمآرب أخرى، وها هي اليوم كافة أصوله ستذهب بأكملها لزوجته وابنه اللذين، وبحسب وصيته العجيبة، سيورثانه ويورثان قدرته وخصوصيته الدينية. حتى في عوالم السياسة يكشف عن العجب فيها، إذ لا يمكن أن يفسر كيف لهذا «الداهية» أن يكون بهذا القرب من علية القوم ويسمح له بالاحتيال على ضعاف النفوس لعقود من الزمان دون حساب!

[email protected]