أسبوع من خيبة الأمل لطهران

TT

بلغت تكلفة استضافة طهران لقمة دول عدم الانحياز، وفقا لوسائل الإعلام الإيرانية، نحو 600 مليون دولار، ولكننا إذا أخذنا في الاعتبار الخسائر الإنتاجية التي تكبدها البلد جراء أسبوع من الأحكام العرفية، فستكون التكلفة أعلى بكثير. ولكن ما هي الفوائد التي عادت على المنظمين من هذا الاستثمار؟

لقد كان هناك هدف رئيسي للمؤتمر، فضلا عن هدفين فرعيين آخرين. دعونا نبدأ بالهدفين الفرعيين أولا:

كان الهدف الفرعي الأول يرمي إلى تأكيد أن الجمهورية الإسلامية ليست معزولة عن العالم، رغم قرارات مجلس الأمن الخمسة ضد طهران، بينما كان الهدف الثاني يكمن في حشد الدعم للطاغية السوري بشار الأسد.

ولكن لم يتم تحقيق أي من هذين الهدفين. فمن بين الدول الـ142 الأعضاء والمراقبين في حركة عدم الانحياز، حضر القمة 23 رئيس دولة فقط، معظمهم من البلدان الأفريقية الصغيرة، فضلا عن عدم حضور غالبية رؤساء الدول الـ15 المجاورة لإيران. لم توجه القمة أيضا أي دعم للطاغية السوري، حيث قامت اللجنة المختصة بإصدار البيان الختامي للقمة بحذف الفقرة الخاصة بسوريا التي وضعتها إيران في البيان. ورغم ذلك، تمثلت خيبة الأمل الأهم التي أصابت طهران في فشلها في تحقيق الهدف الرئيسي للمؤتمر، ألا وهو خلق مكانة دولية لـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي. لا يستطيع خامنئي السفر خارج حدود إيران نظرا لوجود مذكرة اعتقال دولية بشأنه صادرة عن المحكمة الجنائية في برلين لاتهامه بتورطه في اغتيال القادة الإيرانيين الأكراد في مدينة برلين. لذا، فخامنئي مضطر لبناء صورته الدولية بمساعدة الشخصيات الأجنبية التي تزوره، ولكن المشكلة الحقيقية تتمثل في قلة عدد الشخصيات الدولية التي توافق على هذا الأمر. فعلى مدار أعوام طويلة، حاولت إيران مرارا وتكرارا إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة طهران، حيث كان المسؤولون الإيرانيون يأملون في أن تأتي هذه الزيارة خلال قمة دول عدم الانحياز، ولكن بوتين لم يفعل. وبدلا من حضوره الشخصي، قام بإرسال خطاب لا يتضمن أي إشارة إلى «القيادة الحكيمة» لخامنئي. وكذلك الأخوان كاسترو، اللذان يحكمان كوبا، رفضا زيارة طهران، بالإضافة إلى الرفض القاطع للدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للقيام بمثل هذه الخطوة.

وفيما يتعلق بالعالم الإسلامي، فالوضع ليس أفضل حالا، حيث لا ترتبط الكثير من الدول، بما في ذلك مصر وليبيا وتونس والمغرب، بأي علاقات مع النظام الخميني. وحتى الأسد رفض الحضور إلى طهران في العام الجاري، خوفا من أن يترك وكره في دمشق.

ونتيجة لذلك، هناك عدد قليل من الزوار المنتظمين لطهران، وهم الشخصيات المشتبه بها عادة، مثل هوغو شافيز رئيس فنزويلا. ولكن نظرا للمرض الذي ألم به مؤخرا، لم يعد شافيز قادرا على زيارة إيران أيضا.

كانت طهران تعقد الكثير من الآمال على رجلين اثنين: السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس المصري محمد مرسي. تمتع هذان الرجلان بجاذبية خاصة، نظرا للانتقادات التي وجهتها واشنطن لقراريهما بالذهاب إلى طهران. ورغم ذلك، أثبت الرجلان أنهما مخيبان للآمال للغاية بالنسبة لطهران.

تجاهل مون المجاملات الدبلوماسية ووجه انتقادات لاذعة لسياسات طهران الداخلية والخارجية، سواء في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر أو أثناء اللقاء الذي جمعه بخامنئي. ولأنها لم تكن تدري كيف تتصرف، قررت طهران فعل ما تفعله في كثير من الأحيان، ألا وهو اختلاق الأمور. وفي ما يلي العبارات التي صرح بها علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي لشؤون «الصحوة الإسلامية»، في وصف الاجتماع الذي جرى بين بان كي مون و«المرشد الأعلى».

«قال السكرتير العام للأمم المتحدة مخاطبا المنزلة السامية للزعيم: أنت لست زعيما لإيران فحسب، ولكنك تتمتع أيضا بالزعامة الدينية في العالم الإسلامي بأكمله. لقد جئنا متضرعين إلى بابكم كي نسألكم المساعدة في حل المشاكل التي يعاني منها الإقليم، بما في ذلك سوريا، حيث إننا نواجه مصاعب جمة في كل تلك المجالات». أطلقت مزاعم ولايتي العنان لسيل من عناوين الصحف التي ادعت أن مون أشاد بخامنئي، واصفا إياه بـ«زعيم العالم الإسلامي».

قام محمد رضا رحيمي، المساعد الأول للرئيس محمود أحمدي نجاد، باستغلال هذه المزاعم لنسج حكاية أكبر بكثير، حيث قال: «لقد مهد مؤتمر طهران الطريق أمام إدارة عالمية تعتمد على تعاليم إمامنا». أما صحيفة «كيهان» اليومية، التي يصدرها مكتب خامنئي، فكانت أكثر حماسة، حيث قالت: «نظام عالمي جديد يتشكل بزعامة قائدنا».

ولسنا في حاجة هنا إلى أن نؤكد أن مارتن نيسيركي، المتحدث باسم بان كي مون، قد نفى على الفور كل هذه المزاعم، حيث قال للمراسلين الصحافيين: «من المستحيل تماما أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة قد قال هذا الكلام. من غير الممكن أن يكون السيد بان قد وصف زعيم إيران بهذا اللقب». وبالنسبة لوسائل الإعلام الإيرانية، كان هذا التصريح كافيا للغاية كي يتحول بان كي مون من رجل وصف خامنئي بزعيم العالم الإسلامي إلى «أداة للصهيونية». وقامت حاشية خامنئي باختلاق بعض القصص حول الكثير من القادة الأجانب الذين وصفوا خامنئي بأنه «ليس زعيما للإسلام فقط وإنما للإنسانية كلها».

زعم محمد رضا الكلبايكاني، وهو الملا الذي يترأس مكتب خامنئي، أن أحد القادة الذين أشادوا بخامنئي كان الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا. قال رضا الكلبايكاني: «عندما استقبل قائد ثورتنا نيلسون مانديلا، البالغ من العمر 80 عاما، قام الأخير بالركوع أمام قداسته، واصفا إياه بالزعيم».

يذكر أن بريجيت ماسانجو، المتحدثة باسم نيلسون مانديلا، قد نفت هذه المزاعم. ثم جاء بعد ذلك اللبناني محمد يزبك، رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله، والذي ادعى أن خامنئي، بوصفه «الوريث الحقيقي» لعلي بن أبي طالب هو «زعيم كل المؤمنين بلا منازع».

ورغم كل ذلك، تمثلت خيبة الأمل الحقيقية بالنسبة لطهران في محمد مرسي، الذي رفض القيام بزيارة مجاملة لخامنئي الذي كان ينتظر في غرفة على بعد أمتار قليلة.

رفض مرسي «الحج» إلى ضريح الخميني، فضلا عن كافة المطالب الإيرانية بمد فترة توقفه في إيران، التي استمرت لأربع ساعات، وفضلا عن ذلك، لم يوافق مرسي حتى على مناقشة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران. لذا، كان الرد الإيراني هو «تزييف» الخطاب الذي ألقاه مرسي في المؤتمر لجعله يبدو كما لو كان يدعم الأسد في المذابح التي يرتكبها ضد المواطنين السوريين.

أخبر حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني، المراسلين الصحافيين أن محمود أحمدي نجاد قد أجرى مفاوضات مع مرسي لاستئناف العلاقات بين البلدين، ولكن المتحدث باسم مرسي نفى تلك المزاعم تماما. أدى هذا إلى إصابة طهران بالصدمة، حيث أصبحت لا تعرف ماذا يتعين عليها القيام به مع مرسي.

وبفضل بعض رموز جماعة الإخوان المسلمين، مثل كمال الهلباوي وفهمي هويدي، ظلت طهران تعتقد لسنوات طويلة أنه بإمكانها توجيه جماعة الإخوان المسلمين نحو الخمينية. كانت طهران تتوقع أن يكون مرسي خادما مطيعا لخامنئي. لاحظت صحيفة «كيهان» حدوث تغير في نغمة حديث مرسي، لذا قالت: إن الزعيم المصري يعتبر الآن: «شخصية مشكوك فيها» و«انتهازية». أما الهجوم الأشرس على مرسي فجاء من موقع «تا زنده ام رزمنده ام»، وهو موقع إلكتروني تابع لحزب الله، وفيما يلي نص ما قاله الموقع في حق الرئيس المصري: «لقد درس الرئيس المصري وعاش في الولايات المتحدة، وهناك قاموا بإعداده منذ الأيام الأولى كي يستطيعوا استخدامه في يوم من الأيام كورقة رابحة... لقد جاء مرسي بخطة محسوبة بعناية ليوجه الشعب المصري تجاهه، بينما يقوم بتحويل الأراضي المصرية إلى قاعدة أميركية لغزو لبنان وتدمير الأمة اللبنانية وإسقاط حزب الله. نحن لا نرى أي مستقبل مشرق لحزب الله. وبالنسبة لهم، لقد بدأ العد التنازلي».

هل فعلا بدأ «العد التنازلي» لحزب الله فقط؟