تركيا نجم وحيد في سماء سوريا

TT

بينما أكتب هذا المقال تكون أعداد اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى تركيا قد تجاوزت 80 ألفا ويتوقع وصول المزيد يوميا. وتنقل وسائل الإعلام بشكل متكرر الاضطرابات بين هؤلاء الضيوف، الذين يعيش بعضهم في مخيمات اللاجئين منذ أكثر من عام، وبعض السكان المحليين. في هذه الأثناء، يدين النظام السوري، الذي كان صديقا في السابق لأنقرة، الآن ما تفعله تركيا، واصفا إياه بدعم الإرهاب، في الوقت الذي ترسل فيه إيران، خير صديق لذلك النظام الدموي، تهديدات غير مباشرة لتركيا. أضف إلى ذلك ما يقوم به حزب العمال الكردستاني، من الهجوم على أهداف تركية جديدة كل يوم تقريبا، بمساعدة محتملة من الاستخبارات السورية والإيرانية.

خلاصة القول إن الحكومة التركية تواجه معضلة كبرى هذه الأيام في ما يتعلق بسوريا، فنظام بشار الأسد الوحشي، وزبانيته من الشبيحة أثبت أنه قادر على الاحتمال أكثر مما توقعت أنقرة. ومن ثم تبين أن الدعم التركي للمعارضة السورية، بما في ذلك الجيش السوري الحر، كان مكلفا لتركيا إلى حد بعيد.

ربما كان ذلك سببا في الانتقادات الواضحة التي وجهها خبراء السياسة الخارجية للحكومة التركية، وبخاصة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، هذه الأيام، الذي اتهم «بحبه للمغامرة» وتوريط البلاد في مشكلات هي في غنى عنها. أكد البعض منهم أنه ما كان لتركيا أن تزج بنفسها للتدخل في شؤون الدول الأخرى. حتى إنهم عبروا عن سعادتهم عندما لم تجدِ مناشدة داود أوغلو الأخيرة في مجلس الأمن لإنشاء منطقة عازلة محمية جنوب الحدود التركية - السورية.

بيد أنني أختلف مع هذا التوجه كلية، واتفق معهم في نقطة واحدة فقط وهي أن الحكومة التركية تواجه مأزقا بالغ الصعوبة إزاء الوضع السوري الآن. لكني أعتقد أيضا أن تركيا تقوم بالأمر الصائب، الذي هو بالنسبة لي أهم من الحصول على المكاسب.

كانت تركيا تقوم بواجبها تجاه الثورة السورية في إحدى المراحل الرئيسية من الصحوة العربية، التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر وبعدها إلى ليبيا. سقط الديكتاتوريون الذين جثموا على صدور هذه البلاد طويلا واحدا تلو آخر، وبدأت العمليات الديمقراطية في كل منها. كان ذلك أفضل ما حدث للشرق الأوسط خلال ما لا يقل عن قرن، واتخذت الحكومة التركية الجانب الصائب للتاريخ بدعمها الشعوب، لا الحكام الطغاة العرب.

النموذج ذاته تكرر في سوريا، والاختلاف الوحيد هو أن النظام السوري أكثر تعطشا للدماء من الأنظمة الأخرى التي سقطت، ولديه الكثير من الأصدقاء المنافقين (مثل إيران وروسيا) الذين يريدون استمرار هذا النظام، في تجاهل تام لأرواح الأبرياء. علاوة على ذلك، لا يوجد ما قد يدفع الغرب، الذي دعم - على أقصى تقدير - الصحوة العربية بفتور، للتدخل في الصراع كما فعل في ليبيا التي يسهل قيادتها (والغنية بالنفط).

لهذا السبب، تبدو تركيا الآن أشبه بنجم وحيد في سماء المجتمع الدولي في دعمها الثابت للثورة السورية. (هناك بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية وقطر، لكنهما تعملان في إطار مختلف). وبوصفي تركيا، أرى هذا سببا لعدم إدانة حكومتي، بل الفخر بدورها في العالم.

وختاما، حتى أولئك الأتراك الذين يهتمون فقط بالفوز في السياسة الخارجية - وإن تناقضت مع القيام بما هو صواب - أحمل لهم خبرا سارا وهو أن نظام الأسد سيسقط آجلا أو عاجلا، وحينئذ ستكون سوريا الناشئة الحرة والديمقراطية صديقا قويا لتركيا، التي على الرغم من كل الضغوط التي تواجهها هذه الأيام، لا تزال تثبت أنها صديق للشعب السوري.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية