جمهورية الحب

TT

الذي ارتفع في العالم وقفز بالإنسان قفزة عملاقة اختصرت الزمن ليس خطوة (أرمسترونغ) التي خطاها على القمر، ولكنها قفزة العبقرية الهائلة التي أوصلته إلى ذلك، وأعني بها اختراع (المطبعة)، التي لو لم تكن اخترعت في حينها لتأخرت الإنسانية عشرات القرون، وليس مستبعدا - ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين - أننا كنا لا نزال نركب العربات التي تجرها الخيول، ولا تزال النساء يطحنّ القمح على رحى من الحجر.

ومن المعروف أن أول طباعة على هذه الآلة العجيبة كانت طباعة (الإنجيل)، وما يهمني هو تلك الكلمة المؤثرة التي كتبها (وليم كاكستون) في مقدمة كتابه (حكم الفلاسفة وأقوالهم)، والمستغرب أنها طبعت مباشرة بعد الكتاب المقدس، وهي تخص المرأة بالذات، وجاء فيها:

«إن نساء هذا البلد صالحات، دمثات الخلق، متواضعات، عاقلات، وقورات، عفيفات، مطيعات لأزواجهن، صادقات، متكتمات، صارمات، منهمكات في عملهن، لا يعرفن الخمول، يقتصدن في حديثهن، فاضلات في كل ما يعملن.. أو هكذا يجب أن يكنّ على الأقل».

وأضيف على هذا الكلام جملة واحدة معبرة من عندي، وهي: ولكن لا حياة لمن تنادي!

***

(سان مارينو)، أصغر جمهورية في العالم، تقع وسط شبه الجزيرة الإيطالية، أصدرت قطعا نقدية طريفة تحمل على أحد وجهيها شعار الدولة الرسمي وعلى الوجه الآخر رسوما مختلفة تمثل أنواع الحب تبعا للمقياس الآتي:

قطعة الـ500 تمثل حب الحرية، وقد رمز إليه بطائر نورس يحلق فوق سياج من الأسلاك الشائكة.

قطعة الـ100 تمثل الحب بين الأجناس والأعراق المختلفة.

قطعة الـ50 تمثل حب الوطن.

قطعة الـ20 تمثل حب الإنسانية.

قطعة الـ10 تمثل حب المرء لمدينته أو قريته، وقطعة الـ5 تمثل حب العائلة، وتمثل قطعتان الحب بين الزوجين، وقطعة واحدة حب المرء لعمله.

ومن وجهة نظري المحضة، لا شك أن تلك الدولة الصغيرة في حجمها والكبيرة في رؤيتها، تمثل عندي شيئا عظيما، لهذا اسمحوا لي أن أطلق عليها اسم: (جمهورية الحب)، ولا تسألوني عن البلاد العربية، لأنني لا أريد أن أتعكنن في هذا اليوم المشرق.

***

أكره ما أكره ثلاثة أمور: لعب القمار، ومعاقرة الراح، ومغازلة النساء، ولكن هذا لا يمنع من أن أتفرج على من يتعاطون ذلك من باب الشماتة لا أكثر ولا أقل.

وفي أحد الأيام عندما كنت أسكن في فندق بمدينة (لاس فيغاس) في أميركا، وعندما نزلت من غرفتي متجها لباب الخروج، ولا طريق لي إلا أن أمرّ على صالة اللعب الكبيرة التي لا تنام لا ليلا ولا نهارا، لفتت نظري لافتة مكتوب عليها: احترس.. الكبار يلعبون. وبعدها أكملت سيري وأنا أخطو على أطراف أصابع أقدامي، واجهني أحد الإخوة العرب ويده ممتلئة بـ(الفيشات) وسألني: لماذا أنت تسير هكذا كـ(أبو فصادة)؟! هل أنت تريد أن تتعلم الرقص؟!

***

هل صحيح أن المصابين بالقلق، يهدرون وقتهم في تبديد الدخان بدلا من إخماد الحرائق؟!