سوريا: انهيار الاقتصاد قريب!

TT

النظام السوري محكوم عليه - بالأرقام والحسابات - أن يتداعى وينهار، ليس فقط من خلال انفراط الأمن، أو إثر الإرهاق العسكري اليومي، ولكن من خلال الملف الأخطر وهو «الملف الاقتصادي».

حجر الزاوية، والعمود الرئيسي الذي تبنى عليه خيمة أي نظام سياسي معاصر، هو تماسك الوضع الاقتصادي وقدرة الدولة على تلبية مطالب مواطنيها من الاحتياجات والخدمات والالتزامات اليومية. وحيث إن اقتصاد سوريا اعتمد منذ أكثر من 42 عاما على ما يعرف باسم اقتصاد «دولة الرعاية»، بمعنى قيام الدولة بدعم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين، فإن أكثر من 85 في المائة من أبناء الشعب السوري، البالغ تعداده الآن قرابة الـ24 مليونا، يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على دعم تلك الدولة.

والمتأمل بدقة لأداء الاقتصاد السوري منذ 20 شهرا سوف يلاحظ تآكل هذا الاقتصاد الوطني وتدهور أدائه بشكل يهدد كيان النظام. وتقول الإحصائيات الأخيرة المحايدة حول أداء الاقتصاد السوري إن الاحتياطي النقدي للبنك المركزي فقد أكثر من نصفه، وإن الناتج المحلي شهد انكماشا يقارب الـ5 في المائة، كما أن «الليرة السورية» فقدت مركزها إزاء الدولار الأميركي وانخفضت قيمتها من 48 ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ليرة في غضون 14 شهرا!

وتراجعت الصادرات السورية من العملات الأجنبية من 14 مليار دولار عام 2011، إلى 7.2 مليار عام 2012، وينتظر أن يفقد هذا الرقم 50 في المائة من قيمته في الربع الأخير من هذا العام. وبعدما شهدت سوريا إقبالا من الاستثمارات الخليجية والأوروبية في الفترة من 2007 إلى 2010، فإنها وصلت الآن في ظل سياسة المقاطعة الاقتصادية والحصار إلى حالة من شبه التوقف.

وتدل الإحصائيات أيضا على تراجع الودائع في البنوك السورية من 30 إلى 35 في المائة في الآونة الأخيرة، وسعي معظم المواطنين والمستثمرين إلى «الدولرة» وتهريب ودائعهم إلى الخارج وبالذات إلى البنوك اللبنانية حيث إنها الأسهل والأقرب لهم.

وتعرضت اليد العاملة السورية في لبنان (والبالغة من 700 ألف إلى مليون من العمال البسطاء إلى صغار ومتوسطي التجار) إلى أزمة كبرى بعد ازدياد مشاعر الاستنفار والعداء الشخصي تجاههم، مما دعاهم إما للعودة إلى الوطن من دون عمل مما يزيد من حالة البطالة، أو البحث عن وطن آخر يؤمن لهم لقمة عيش. أما السياحة في سوريا فقد تراجعت مؤخرا بنسبة 95 في المائة بسبب تدهور الوضع الأمني.

إذن، بمفهوم التحليل المالي والاقتصادي، نحن أمام نظام مالي يتجه بسرعة جنونية إلى الانهيار. وللأسف الشديد فإن هذا الانهيار يؤلم كل عربي يؤمن بأن نجاح اقتصاد دولة عربية هو إضافة إيجابية للاقتصاد الكلي للقوة العربية، لكن ما هو حادث يؤدي - للأسف الشديد - إلى انهيار نظام دموي أحمق اختار أن يدفع هو وشعبه أفدح فاتورة مكلفة في التاريخ المعاصر.