حقيقة دور الأكراد في الدولة العراقية

TT

لم يكد رئيس الجمهورية جلال طالباني يغادر بغداد بهدف المعالجة أو بأي هدف آخر ويغيب عن المشهد السياسي حتى بدأ ائتلاف دولة القانون الحاكم تنفيذ سلسلة من أحكام الإعدام بحق السجناء بتهمة الإرهاب. ففي أواخر شهر أغسطس (آب) الماضي وخلال ثلاثة أيام فقط تم إعدام ما يقارب 26 سجينا وينتظر خمسة خليجيين آخرين المصير نفسه. وستواصل آلة القتل بحصد رؤوس أخرى غير مبالية باحتجاجات الدول أو منظمات حقوق الإنسان والعفو. وسيحاول الحزب الحاكم تنفيذ أحكام الإعدام بأكبر عدد من المدانين قبل إصدار قانون العفو العام من البرلمان العراقي، وخاصة أنه يمتلك الآن الصلاحية في إعدام المحكومين من دون الرجوع إلى رئيس الجمهورية الذي تنازل عن حقه الدستوري «الحصري» بالتوقيع على أحكام الإعدامات لنائبه خضير الخزاعي القيادي في حزب الدعوة الحاكم، بحجة أن منصبه كنائب لمنظمة الاشتراكية الدولية لا يسمح له بالتوقيع على أحكام الإعدام.

وإزاء إصراره على عدم المصادقة على أحكام الإعدامات، دخل في صراع غير متوازن مع رئيس الوزراء انتهى بتجريده من هذه الصلاحية وإعطائها لنائبه الذي استعملها بكل قسوة، ولو مارس طالباني منصبه بشكل «إشرافي» وليس «تشريفي» بحسب قول نائبه السابق عادل عبد المهدي لما استطاع المالكي اليوم الاستحواذ على كل السلطات. فـ«رئيس الجمهورية يتمتع بما لا يقل عن 19 حقا دستوريا، وأكثر من ذلك قانونيا، تجعله في موقع مبادرة وإشراف وآمرية وحسم وليس في موقع تلق وانتظار»، كما هو حاله اليوم، لا حول له ولا قوة، فهو مجرد من كل الصلاحيات تماما، حتى حضور المؤتمرات الدولية أنيطت مهمتها برئيس الوزراء.

وإذا كان هذا حال أعظم سياسي كردي معاصر دوخ الحكومات العراقية المتعاقبة «سبع دوخات»، مع زعماء دولة القانون، فإن حظ الكردي الآخر هوشيار زيباري ليس بأحسن منه، فهو عندما يصطف مع سياسات حكومة المالكي الخاطئة في دعم النظام السوري في إبادة شعبه الأعزل، فإنه وزير خارجية كفء ودبلوماسي محنك وداهية لا مثيل له، ولكن عندما يطالب «بمساندة الثورة السورية وتطبيق السيناريو الليبي، أي التدخل في سوريا كما حصل في ليبيا»، وينصح المالكي بفتح خطوط اتصال مع المعارضة السورية من أجل ضمان العلاقات المستقبلية بين البلدين لأن مصير الأسد قد حسم وأيامه في السلطة باتت معدودة.. فإنه يعتبر وزيرا سيئا ودبلوماسيا فاشلا ويشهر في وجهه سلاح الاستجواب في البرلمان وتفتح بوجهه ملفات الفساد بأنواعها، وترتفع حناجر نواب حزب الدعوة مطالبة بإقالته، لأنه «بعثي عريق ومخابراتي سابق» و«رشوجي أخذ مبلغ 3 ملايين دولار أميركي من الكويت، مقابل سكوته عن بناء ميناء مبارك». كل ذلك لأنه أبدى رأيا مخالفا لرأي المالكي.. وكالعادة تستمر الحالة الاستثنائية بين الوزير ورئيسه المالكي وتنتهي باستسلامه وخضوعه لإرادته لأنه الطرف الأضعف.

وإذا كان طالباني وزيباري أظهرا بعض الإسهامات في مسيرة العراق الجديدة، فإننا لم نشهد لرئيس أركان الجيش العراقي الكردي بابكر زيباري أي إسهام من أي نوع في هذه المسيرة، رغم أنه يشغل منصبا عسكريا مهما جدا، ولكنه لا يمارسه ويكتفي كصاحبيه بالعيش في ظل القيادة الحكيمة لحزب الدعوة ويرضى بما قسمه له المالكي من حضور الاحتفالات والمناسبات والمشاركة في الاستعراضات العسكرية وتوزيع الجوائز والنياشين على العسكريين المتميزين. وقد أحس الرجل مرة عام 2007 أن وجوده كعدمه، فقدم استقالته وأبى أن يكون مجرد «موظف دولة منزوع الصلاحيات» ينحصر عمله في التوقيع على الأوامر التي يصدرها رئيس الوزراء، وغادر بغداد إلى أربيل. ويا ليته أصر على استقالته ولم يتراجع عن موقفه، ولكنه عاد بعد فترة وجيزة إلى منصبه «التشريفي الذي لا يهش ولا ينش» أضعف من ذي قبل، حيث تتم صفقات السلاح أمام عينيه ولا يؤخذ رأيه وتتحرك قطاعات الجيش نحو الشمال لضرب القوات الكردية «البيشمركة» في عقر دارها وهو غائب عن الوجود تماما.

كثيرا ما ضخمت وسائل الإعلام دور الأكراد في بغداد، وصوّرته وكأنه مفصلي. ولكن هذا مجرد افتراء، فدورهم محدود في إطار بعض الوظائف الاستشارية والمناصب الرمزية المحدودة التي لا تشكل أي أهمية في تحديد سياسات البلد، وهذا هو حال القادة الثلاثة المحسوبين على الأكراد الذين شغلوا مناصبهم الرفيعة من خلال القضية الكردية ومن أجلها ولكن لم يقدموا أي شيء لها، فبقيت تراوح مكانها ولا تتقدم قيد أنملة.