وجوه أميركا

TT

ترفض طبيعة الحقائق أن تتغير. وهي أن لكل حقيقة وجهين، على الأقل. ومن حقائق هذا العالم، شيء اسمه أميركا. ثلاثة أرباع العالم تقول إنها لا تريدها والنسبة نفسها تطالب بها. الناس تستنكر مغامراتها العسكرية ثم تنتقد «تخاذلها» في سوريا. والعالم يريد من الرئيس الأميركي أن يكون عضوا في «جمعية أنصار السلم» التي أسسها السوفيات ثم يريد منه تلبية نداء الحرب في كل مكان.

أوروبا تكن لأميركا شعور الازدراء وتعتبرها بلا عراقة وبلا تقاليد. ولكن كما اعتمدت عليها لإنقاذها في الحرب العالمية الثانية تنظر إليها الآن لإنقاذها من الكارثة الاقتصادية. ومن وجوه الحقائق المتعددة أن أفضل حكام أوروبا المتعبة امرأة تدعى أنجيلا ميركل، كما كانت في مرحلة أخرى مارغريت ثاتشر أنجح حكام القارة.

تبدو صورة القمم الأوروبية التذكارية مضحكة: مجموعة من الرجال يريدون المساعدة، سياسية أو مالية، من امرأة ذات مظهر عادي حتى لتبدو معلمة مدرسة لم يحالفها الحظ في الزواج، ولا الجهد الطويل في أن تفقد بضعة كيلوغرامات.

كنت كلما قابلت أو رأيت المسز ثاتشر، أتأمل هندامها، بكل ثوب، فأراها تشبه بعض قريباتي الغارقات في البساطة. وعندما رأيتها المرة الأولى خيل إليّ أنها، وإحدى القريبات، تشتريان الأثواب من مخزن واحد. ودعك من 10 داوننغ ستريت. لكن الوجه الآخر الذي لم يكن لقريبتي، هو أن السيدة البسيطة المظهر هنا، هي في الواقع أقوى امرأة في العالم.

ليست هناك حقائق واحدة ومبسطة في الحياة. ليس لدينا تفسير واحد لكون أميركا لا تزال أهم بكثير من أوروبا الموحدة. ولا أحد منا يعرف لماذا لا تزال روسيا غير الشيوعية متخلفة إلى هذا الحد عن الولايات المتحدة. وربما كانت الصين على وشك أن تنافس أميركا في الحجم الاقتصادي، لكن هل يمكن أن يأتي يوم تجاريها في الحجم الثقافي أو العلمي أو الفني أو الأدبي؟

أظهر المؤتمر الديمقراطي يوم الخميس الماضي أن العالم لا ينظر إلى أي حدث انتخابي كما ينظر إلى معركة الرئاسة الأميركية. وذلك لأن الرئيس الأميركي، الذي يحبونه أو يكرهونه أو من دون مشاعر محددة حياله، لا يزال يغير في حياتهم، شاءوا أم أبوا، الرجل الوحيد في العالم الذي يحتل العراق بحجة ضرب البرج التجاري، أو تعطي طائراته الإشارة إلى مكان وجود القذافي في أنبوب غير نفطي، أو يقنع باكستان بأن تغفو لساعتين يقتحم خلالهما منزل أسامة بن لادن.

في المؤتمر الديمقراطي تقرر اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. من خلال مسرحية سيئة الإخراج. اتخذ القرار «بالتصويت». إنها الأصوات التي يحتاج إليها أوباما، ابن الكيني الذي يتنافس على رئاسة أميركا مع ابن رجل لم يستطع التخرج من جامعة لكنه أصبح رئيس أكبر شركات أميركا.