البحث عن معارضة

TT

تناسى البعض أن الديمقراطية تعني حكومة ومعارضة، وكلتاهما منتخبة من قبل الشعب، وهذا التناسي جعلنا نعيش أوضاعا سياسية متأزمة دائما، أزمة شركاء وأزمة توافقات وأزمة ثقة، الجميع في الحكومة وفي المعارضة معا، مفهوم خاطئ للديمقراطية، تلبسنا دون أن نفكر بالبحث عن حلول لتصحيح الديمقراطية في البلد.

في خضم أوضاع كهذه التي جعلتنا نشكل حكومة شراكة، سألت نفسي هل يحتاج رئيس الوزراء في النظم البرلمانية مثل العراق لتحالفات كثيرة أم تحالفات قوية؟ هذا السؤال الإجابة عنه هي حصيلة ما خرجنا به من قراءة للمشهد السياسي العراقي في الأشهر الماضية، في أوج الأزمة أخذ البعض يحسب ما لرئيس الوزراء من أصوات وما عليه، لعبة الأرقام كانت حاضرة بقوة، والكثير منا أخذ يراجع ما لديه من أرقام ليحاول قراءة المشهد القادم، أو توقعه على أقل تقدير، في بلد من الصعب التكهن بالمواقف السياسية لأي طرف من الأطراف من أي قضية كانت.

ولا أحد كان يتكهن بعدد الأصوات في كلا المعسكرين بمن فيهم قادة الصف الأول من السياسيين، لأن الكثير منها لم تتضح رؤيته ولم يدل بدلوه في قضية مصيرية، ليس لرئيس الوزراء كشخص، ولكن للنظام الديمقراطي في العراق الذي سيكمل العقد الأول من عمره بعد أشهر قليلة، وفي نهاية المطاف لم تتمكن القوى الداعية لسحب الثقة من أن تحشد الأصوات المطلوبة لهذا ووجدت نفسها مجبرة على القبول بالحوار حتى لا تخسر أكثر مما خسرت، بعد أن فشل مشروع الاستجواب في أن يفرض نفسه كخيار ثان للبعض.

وهذا ما يجعلنا نسأل لماذا إذن نركض صوب حكومة ائتلافية تتجمع فيها كل القوى البرلمانية المتقاطعة فكريا وآيديولوجيا، بل وبعضها غير مؤمن بالعملية الديمقراطية برمتها دون أن نترك هامشا للمعارضة البرلمانية؟ لماذا لا يفكر السياسي العراقي بتشكيل حكومة أغلبية سياسية لا تحتاج إلا للنصف زائد واحد لكي تبقى قوية دون أن نمضي أشهرا كثيرة في البحث عن توافقات ومزيد من الشركاء ونحن نعرف جيدا أن الديمقراطية في كل العالم تعني النصف زائد واحد، القوة في النظم الديمقراطية تكمن في النصف زائد واحد وليس في حكومة تصادر حق المعارضة، هل شعرتم بأن العراق الديمقراطي بلا معارضة ديمقراطية؟ أيحق لنا أن نقول إننا نجحنا في بناء الديمقراطية؟ بالتأكيد نحن أسسنا لنظام ديمقراطي، لكنه لم يتكامل حتى اللحظة، متى ما كانت لدينا معارضة قوية في البرلمان نكون قد دخلنا الديمقراطية من أوسع أبوابها، في اعتقادي وربما يعارضني البعض في هذا بأن الديمقراطية في واحدة من أروع صورها وأحلاها أنها تفرز لنا معارضة لا تركض وراء المنصب ولا يظل قرارها معلقا، معارضة منتخبة من الشعب لا تفرط في الحصانة البرلمانية أمام المقعد الوزاري الخالي من الحصانة.

نحن نحلم بزعيم معارضة برلمانية قوي، كما نحلم برئيس وزراء أقوى، وكلاهما يستمد قوته من مقاعده في السلطة التشريعية التي لا يمكن أن تكون معرقلا أمام عمل رئيس الوزراء ولا تنظر لما تقوم به الحكومة من أعمال على أنه سيزيد من رصيدها في الشارع، ويجعل من السلطة التشريعية تقف دون تنفيذ وتشريع الكثير من القوانين المطلوبة.

لهذا أجد أن الإصلاحات المطلوبة لا تكمن في التوازن في شغل المناصب، بل إن الإصلاحات تكمن في التأسيس للمعادلة الديمقراطية الصحيحة بقطبيها الحكومة والمعارضة، متى ما نجحنا في هذا نكون قد غادرنا محطات كثيرة توقفت فيها الديمقراطية العراقية أكثر من مرة، لكنها لم تتعطل كما أراد البعض.