العرب يجب ألا يكرروا أخطاء إيران

TT

في غضون قرن واحد شهدت إيران ثورتين، وقد مضت الثورة الأولى التي حدثت في السنوات العشر الأولى من القرن العشرين، بإيران قدما للأمام. أما الثورة الثانية التي حدثت في سبعينات القرن العشرين، فقد عادت بعقارب الساعة إلى الوراء.

لقد شاهدت الثورة الثانية كصحافي، بينما درست الثورة الأولى كمؤرخ، وعلى مر السنين التقيت بعضا من أطرافها الفاعلة الرئيسيين وتحدثت معهم.

ومع استمرار رياح التغيير التي أطلقها الربيع العربي في التأثير على عدد هائل من الدول، آمل في أن أشرك جيراننا العرب بعض الملاحظات فيما يتعلق بتجربة إيران.

وقعت الثورة الإيرانية الأولى، المعروفة باسم الثورة الدستورية، في عام 1906، في وقت كانت فيه إيران متأخرة اقتصاديا ودولة يمزقها الفقر.

علاوة على ذلك، كانت إيران أيضا تعاني من عقود من التدهور الاجتماعي والثقافي إلى حد أن الأغلبية لم تعرف شيئا عن التاريخ الحافل للدولة وحضارتها.

وكان كثير من هؤلاء الذين ساهموا في إشعال جذوة الثورة الدستورية من المثقفين أو الساسة الذين درسوا في الغرب أو أمضوا سنوات هناك في مهمات تجارية أو دبلوماسية، وإبان فترة إقامتهم هناك شاهدوا التفوق التاريخي لأوروبا وتساءلوا عن الظروف التي جعلت ذلك ممكنا.

لقد وصلوا إلى إجماع مفاده أنه بفضل حكومة تعددية وسيادة القانون، نجحت أوروبا في الخروج من العصور المظلمة لإرساء حضارة حديثة. وكان هدفهم هو غرس بذور أفكار جديدة في إيران، أملا في أنه، بالنظر إلى الوقت والفرصة، قد يثمر هذا نتائج مماثلة.

ومن دون دعم من كبار رجال الدين في ذلك الوقت، ربما لم تكن النخبة المثقفة الصغيرة في إيران قادرة على التعامل مع مهمة تغيير مجرى التاريخ.

نجح مثقفونا في كسب دعم قطاع عريض من رجال الدين، وأقنعوا الشاه مظفر الدين بإصدار أوامر عليا تنص على تشكيل برلمان ونظام قضائي حديث.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه بمجرد أن وافت مظفر المنية، حاول ابنه وخليفته محمد علي شاه إلغاء الدستور الجديد وأمر بقصف مبنى البرلمان.

ولتبرير موقفه المناهض للدستورية أقنع محمد علي بعض رجال الدين بوضع آيديولوجيا جديدة للحكم وفقا للشريعة (المشروعية) في مقابل الحكم وفقا للإجماع (المشروطية).

كان رأيهم مفاده أن أي مجتمع إسلامي ليس بحاجة إلى دستور، ولا سيما دستور مستلهم من نماذج غربية.

كان رجال الدين قادرين تماما على تلبية احتياجات المجتمع وضمان المساواة والعدالة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه سرعان ما أخفقت محاولة استعادة الحكم الاستبدادي باسم الدين.

لقد وقف جزء كبير من رجال الدين المنقسمين في صف الأفراد الطامحين إلى استعادة الحكم الدستوري. تم نفي محمد علي، ومن ثم كانت إيران قادرة على بدء رحلة جديدة باتجاه التحديث وسيادة القانون. وفي غضون ستة عقود، تحولت إيران من مجتمع خامل عالق في فجوة تاريخية إلى مجتمع ديناميكي صاحب اقتصاد مزدهر وثقافة مبدعة.

وكان هدف الثورة الثانية التي اندلعت في عام 1979 هو تغيير كل هذا.

في هذه المرة، شاهدنا نقيض التحالف الذي أنهى الحكم الاستبدادي قصير الأجل لمحمد علي شاه، وقد وضع قطاع عريض من مثقفينا أصحاب النهج الغربي أنفسهم تحت قيادة الملالي الرجعيين الذين أملوا في الإطاحة بمفهوم الحكم الدستوري باسم «المشروعية».

وعلى عكس الوضع في القرن العشرين، في هذه الفترة كانت إيران دولة قوية صاحبة اقتصاد نامٍ وسجل رائع من التقدم الثقافي والمالي والصناعي. فضلا عن ذلك، فقد كانت النخبة المثقفة لدينا أوسع نطاقا وأكثر تأصلا في المجتمع.

ومن ثم، فقد كان من المفترض أن تكون قادرة على تولي قيادة الثورة الثانية، مثلما كان الحال في الثورة الأولى. وبتولي القيادة كان من الممكن أن تلقى النخبة المثقفة دعما من قطاعات ضخمة في المجتمع.

ولسوء الحظ، أضاعت نخبتنا المثقفة الفرصة التاريخية، ولكونها محاصرة بالانقسامات، فقد عجزت عن توفير بديل واضح لحكم رجال الدين. وعلى غرار الطبيعة، يمقت المجتمع الفراغ. وقد كان على شخص ما أن يملأ الفراغ الذي ولده سقوط الشاه. وقد تمكنت مجموعة صغيرة من رجال الدين الرجعيين، والمتحدين في الوقت نفسه، من فرض سيطرتها عن طريق ملء الفجوة. وبمجرد أن وطدوا استحواذهم على السلطة، لم يتركوا مساحة للنخبة المثقفة وأرسوا حكما ديكتاتوريا جديدا، باسم الدين.

وما تبقى، كما جرت العادة، هو تاريخ. على مدار ثلاثة عقود، عرقلت الثورة الإسلامية، مثلما نعرف، التقدم التاريخي لإيران بإرساء نظام استبدادي ذي واجهة دينية. وقد أدت بدولتنا إلى مغامرات مكلفة ألحقت الضرر بكل من إيران والمنطقة.

ومع اجتياح التغيير المنطقة، يجب أن تتأمل النخبة المثقفة العربية مليا تجربة إيران، التي أرى أنها تعتبر تحذيرا أكثر منها نموذجا يمكن محاكاته.

* صحافي ومؤرخ إيراني، وقد نشر كاتب الافتتاحيات السابق بصحيفة «اطلاعات» في طهران أيضا سلسلة من الكتب عن تاريخ إيران