نوم العوافي!

TT

رغم أنني أحفظ عن ظهر قلب الآية الكريمة التي جاء فيها: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم».

وفي الوقت نفسه ما أكثر ما رددت كـ(الببغاء) العبيط بيت الشعر للإمام (الشافعي):

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فكلك عورات وللناس ألسن

ولكن ما إن أنفض عنهم أو أن ينفضوا عني، حتى أنساهم نهائيا ولا أتذكر منهم غير معايبهم أو سقطاتهم أو أشكالهم المزرية، وكأنني أنا الوحيد (يوسف الحسن) الطاهر الذنب.

ومن المواقف السخيفة التي تحسب علي لا لي، أنني تعرفت يوما على أحد الرجال من (بني يعرب) في ردهة أحد الفنادق الأوروبية، وذلك في الصباح الباكر وبعد أن تناولت الإفطار في المطعم، كان الرجل، والحق يقال، مهذبا، غير أن ما لفت نظري به هو (لحيته) الطويلة، التي تصل دون مبالغة إلى منتصف بطنه أو أكثر، والذي أعلمه أنه من (السنة) أن تكون اللحية على مقدار (قبضة) اليد، وما زاد عليها فالمقص أولى به.

ولكي أتباسط معه، مع أن الموقف لا يتطلب مباسطة أو مزاحا، خصوصا أن هذه هي أول معرفتي به، فقد سألته، ويا ليتني ما سألته، فقلت: (يا فلان)، إذا استلقيت على فراشك في الليل تريد أن تنام، فهل تضع لحيتك هذه فوق اللحاف أم تدسها تحته؟!

الواقع أنه لم يجب عن سؤالي، وأحسست به يسرح ويفكر في أمر لم يكن يخطر له على بال وافترقنا، ذهبت أنا إلى حديقة عامة قريبة من الفندق لكي أتريض، ولا أدري إلى أين ذهب هو!

وفي اليوم الثاني التقيت به في نفس المكان، وفي الوقت نفسه تقريبا، وإذا بمنظره لا يسر.. كانت عيناه حمراوين، ووجهه ممتقعا تبدو عليه وعثاء السفر، وقبل أن أسأله عن حاله عاجلني قائلا:

الله يجازيك بقدر ما أزعجتني وأقلقتني! الواقع أنني تطيرت واستفسرت منه عن الذي بدر مني وأزعجه، فقال: هل تعلم أنني طوال الليلة البارحة لم يغمض لي جفن عندما تذكرت سؤالك لي؟! فكلما وضعت لحيتي فوق اللحاف أغير رأيي وأضعها تحته، وهكذا ظللت أفعل كالمصروع عشرات المرات، ولا تؤاخذني لأنني أيضا تلفظت عليك بعشرات الألفاظ والدعوات، وما إن نهضت لصلاة الفجر، حتى أخذت أتوضأ متعوذا من كل الأبالسة والشياطين من الجن والإنس.

اعتذرت له قائلا: انس سؤالي وتنسى الموضوع، فقال لي متألما: كيف أنساه وهو راسخ في رأسي وسوف يلازمني في كل ليلة أضع بها رأسي على المخدة؟!

قلت له: إذن عليك بـ(القبضة). سألني: ماذا تقصد بالقبضة؟!

عندها قبضت يدي ووضعتها تحت ذقني، ويدي الثانية حركتها من تحتها مثلما يتحرك المقص له، وبعدها تبسمت وغمزت له بعيني، وأظن أنه فهم نصيحتي. وتركته قائلا له: نوم العوافي! والآن أتمنى من كل رجل لحيته زائدة على الحد ألا يفكر بها أين تكون، وان يتركها للتساهيل، وكان الله يحب المحسنين!

[email protected]