الانتخابات الرئاسية بأميركا لن تؤثر في سياستها الخارجية

TT

لم يحدث نقاش كبير خاص بالسياسة الخارجية الأميركية في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، حيث ستكون كما أراد لها الرئيس باراك أوباما أن تكون، ناهيك عن عدم اهتمام الوفود التي حضرت المؤتمر في تشارلوت بهذا الأمر.

إنه الاقتصاد أيها الغبي، فمن يريد الخروج عن السياق لمناقشة قضية هامشية مثل السياسة الخارجية الأميركية قبل شهرين من الانتخابات؟! من يكترث لذلك حقا في الوقت الراهن هم الأجانب والجيش الأميركي - وحتى هم لا يحبسون أنفاسهم وهم يتابعون الانتخابات، لأن القليلين منهم يعتقدون أن تغيير الرئيس لن يغير كثيرا علاقة الولايات المتحدة بباقي العالم.

ورغم بذل الجمهوريين قصارى جهدهم لتقديم أوباما في صورة الراديكالي الغاضب الذي يريد تفكيك الدفاعات الأميركية، فإنه كان تقليديا بالفعل في سياسته الخارجية إلى حد بعيد؛ فهو يحب إسرائيل كثيرا، ولم ينه الحرب في أفغانستان (أو غوانتانامو)، ويستخدم الطائرات التي تعمل من دون طيار لقتل أعداء الولايات المتحدة (وأي شخص قريب أحيانا)، وكان مطيعا ووقع ميزانية الدفاع التي بلغت 700 مليار دولار.

كيف يمكن لرومني أن يتفوق على هذا؟ يمكنه القول إنه يحب إسرائيل أكثر. الحقيقة أنه قال إنه وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن تلك ليست سوى إشارة سياسية محضة، إذ لم تقدم دولة أخرى على ذلك، ويقدم أوباما عمليا لإسرائيل كل شيء ترغب فيه تقريبا. ويمكنه أن يتعهد بإنفاق المزيد على الدفاع أكثر من أوباما، لكن الولايات المتحدة تنفق 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في هذا البند. ويخطط أوباما لخفض هذه النسبة خلال الأعوام القادمة لتصل إلى نحو 4 في المائة، بينما وعد رومني بألا تقل عن 4 في المائة، وهذا ليس بالفارق الكبير.

ويواجه المرشح الجمهوري مأزقا لم يواجهه أي من سابقيه عن الحزب الذي لا يهتم حقا بالعجز في الميزانية. فخلال العقود الثلاثة الماضية كان الرؤساء الجمهوريون هم من يهدرون الأموال، فلم يتمكن رونالد ريغان من ضبط الميزانية أبدا، وصرح بوش وتشيني بأن عجز الميزانية أمر غير مهم، في الوقت الذي حاولت فيه الإدارات الأميركية التالية لرؤساء ديمقراطيين ضبط الإنفاق الخارج عن السيطرة.

ولا يملك رومني خيارا، فجناح حركة حزب الشاي في حزبه يعني حقا ما يقوله بشأن الضرائب والعجز في الميزانية. لذا ما الذي تبقى له؟ حسنا، يمكنه أن يعد بقتل عدد من أعداء الولايات المتحدة أكبر مما فعل أوباما، لكنه لن يستطيع الهرب من حقيقة أن أوباما هو من أمسك بأسامة بن لادن واتخذ خطوات سريعة ولم يكترث بالقانون الدولي عندما استخدم طائرات من دون طيار في تنفيذ عمليات عن بعد لاغتيال أجانب معادين للولايات المتحدة.

لذا لا يتحدث رومني كثيرا عن السياسة الخارجية لأنه لم يبق لديه الكثير ليقوله. وكانت آخر التغييرات التي وعد بإحداثها في السياسة الخارجية «خطة عمل» وضعها خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري العام الماضي ليتم تنفيذها خلال أول مائة يوم من توليه المنصب. وهي وعد عملي إلى حد كبير، لأنها لم تتضمن فعليا أي تغييرات في السياسة على الإطلاق، فقد وعد بالتأكيد ثانية للحلفاء التقليديين عزم أميركا الوفاء بالتزاماتها العالمية. ولن يحتاج الأمر سوى بضع مكالمات لا أكثر.

وصرح بعزمه زيادة عدد القوات العسكرية في الخليج ليبعث برسالة إلى إيران، لكنه لم يهدد بضرب إيران أو دعم شن هجوم إسرائيلي عليها. ويمكنه إصدار أوامر بانسحاب تلك القوات في أي وقت إذا شعر بالملل.

وقال إنه سيعين مسؤولا عن شؤون الشرق الأوسط للإشراف على الدعم الأميركي للمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلدان العربية. إن هذه وظيفة حكومية أخرى، لكن فكرة رومني عن المنحى الذي يريد أن تتخذه هذه المرحلة الانتقالية أقل من فكرة أوباما في هذا الشأن. إضافة إلى ذلك، لا تتمتع الولايات المتحدة بمزية في هذا الأمر تقريبا. إنه سيراجع انسحاب القوات الأميركي من أفغانستان الذي خططت له إدارة أوباما، لكن لا يعني هذا بالضرورة أنه سيدخل عليه تغييرات، فهو فقط سيراجعه. كذلك سيراجع استراتيجية الدفاع الصاروخي العالمية الخاصة بأوباما. ربما يود تغييرها، فلطالما أحب الجمهوريون هذا المفهوم منذ أحلام «حرب الكواكب» لرونالد ريغان، لكنه لم يحصل على المال الذي يحتاجه لوضع سياسة أكثر طموحا. وسيزيد تركيز الحكومة على أمن شبكة الإنترنت. يا للملل!

كذلك سوف يزيد من بناء سفن البحرية الأميركية، وذلك بالطبع في الحدود التي تسمح بها الميزانية وهي ضيقة جدا. كذلك سيطلق مبادرة فرصة اقتصادية في أميركا اللاتينية ما دامت لا تكلف الكثير من المال. لا عجب إذن ألا يهتم العالم كثيرا بالانتخابات الرئاسية. ويشعر أكثر الأجانب، سواء من اليمين أو اليسار، بالارتياح تجاه أوباما أكثر من رومني، لكن لن يحدث تغيير في السياسة الخارجية الأميركية سواء فاز هذا أو ذاك. ربما لا تعجبهم السياسة الأميركية كلها، لكنهم اعتادوا عليها.

* صحافي مستقل

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية