هل للمطرب أن يطرب على طربه؟

TT

نعم، هذا هو السؤال الذي خطر لي وأنا أخرج من الحفلة الحفيلة للمركز الثقافي العراقي بلندن للمطرب المبدع إحسان الإمام. فيما كنت أتناول الطعام الشهي الذي أعده المركز لزبائنه، سمعت شخصا يتمتم لصديقته قائلا: إحسان هذا يتونس بغنائه!

قالها بنبرة العجب، وربما بنبرة الاستنكار، وكأنه ليس من حق المطرب أن يطرب لغنائه. فحرك في نفسي هذا التساؤل. المطرب في الواقع رجل أجير. يقبض أجرته لقاء غنائه لمن يدفع. وفي هذه الحالة الدكتور عبد الرحمن ذياب، مدير المركز، فهل له بالإضافة لأجرته أن يشارك المدير وضيوفه بالاستئناس والطرب؟ أنا شخصيا من عشاق إحسان الإمام وأتمتع بغنائه بصورة خاصة كلما شعرت بأنه هو أيضا يشاركني المتعة بما يغنيه، وهذا مما تبقى من اشتراكيتي على ما يظهر.

ولكن دعوني أستفيض في هذا الموضوع الخطير، إذا جئت بسمكري ليصلح لي حنفية الحمام، فهل له أن يستغل «اكويستك» الحمام فينطلق بالغناء أثناء عمله وكأنه صاحب البيت؟ المعروف عن البنائين أنهم يغنون المقامات أثناء قيامهم ببناء حائط؟ أيجوز لهم أن يستمتعوا بعملهم إلى حد رفع عقيرتهم بالغناء؟

قل مثل ذلك عن البلطجية وجلاوزة الأمن، «المعذبجي» يتسلم راتبا جيدا لقاء قيامه بتعذيب المفكرين والكتاب، هل يجوز له أن يستمتع مثلا بضرب وتعذيب كاتب لا ينفك من ترديد دعوته لمساواة المرأة والرجل؟ نعم، هل يجوز له أن ينهال ضربا عليه بالكرباج وبعين الوقت يغني «يا مسافر وحدك وفايتني».

هذا موضوع يرتقي لمستوى الرئاسة والحكم، فالمفروض أن الحاكم يكد ويشقى بالسهر على أحوال بلده ورعيته ولا يعتبر الحكم مجرد نزهة يطرب بها، ولكن الربيع العربي قد كشف أن الحكام المخلوعين كانوا في الواقع يستمتعون بعملهم كحكام بسرقة أموال الشعب. إنهم دائما يظهرون في الصور والابتسامة تغطي وجوههم. ولكن من الناحية الأخرى يمكنهم الدفع بقولهم إننا حقا سرقنا هذه المليارات ولكننا لم نستمتع بهذه السرقة في الواقع. استمتع بها فقط رجال البنوك في الغرب.

وأعود لموضوع إحسان الإمام. يا أبو حنين، أجب على هذه التهمة. فالشائع عنك أنك تستأنس بعزفك وغنائك. وفي هذا شطط كبير. فالعراقيون يئنون ويبكون عندما يغنون وأنت تضحك وتستأنس وتدق على العود، وهذا لا يجوز بعرف الوضع الحالي لبلاد الرافدين. الملايين يلطمون على صدورهم ويجلدون ظهورهم ويزحفون على ركبهم مئات الأميال لمراقد كربلاء والنجف ليدفعوا الخمس للسيد، وأنت هنا في لندن تغني «ومن المسا للصبح، تفاح حلوحشنا، أوي، أوي دلال».

يعني هو العراق صار مسخرة؟