بريطانيا: تركة من فرص الأعمال

TT

شهد هذا الأسبوع نهاية موسم الاحتفالات المذهلة التي جرت في بريطانيا الصيف الحالي، حيث أصبحت دورة الألعاب البارالمبية «لندن 2012» توصف بأنها نقطة تحول في رياضة المعاقين، نظرا لنفاد تذاكرها بالكامل وجوها الصاخب والتغطية الإعلامية الواسعة لأحداثها. ربما تكون هذه الدورة قد أسهمت بصورة أكبر من أي حدث آخر في تعريف الناس بأن هؤلاء الأشخاص المعاقين هم أفراد ذوو قيمة كبيرة في المجتمع، وأن الإعاقة ليست حاجزا في طريق تحقيق النجاح، حيث كان حفل الافتتاح يتحدث عن كثير من التحديات التي تواجه هؤلاء الأشخاص.

لقد كان للبروفسور البريطاني ستيفن هوكينغ، وهو أستاذ الفيزياء النظرية والمصاب بمرض في الجهاز العصبي الحركي، دور كبير في مراسم افتتاح حفل دورة الألعاب البارالمبية. يعاني هوكينغ الآن من شلل شبة كامل ويتفاعل مع الناس فقط من خلال الأجهزة التي تساعد الأشخاص المعوقين على الكلام. كان هوكينغ يعمل أستاذا للرياضيات في جامعة كامبريدج، ولكنه يشغل الآن منصب مدير الأبحاث في «معهد علم الكونيات النظرية» في جامعة كامبريدج أيضا.

يقول هوكينغ: «نحن نعيش في عالم تحكمه قوانين نظرية نستطيع اكتشافها وفهمها. انظر إلى النجوم في الأعلى ولا تنظر إلى قدميك في الأسفل. حاول استيعاب ما تراه وتساءل عما يجعل الكون موجودا. كن شخصا فضوليا».

ولكن، ما الذي سيحدث الآن للحديقة الأولمبية؟

سوف تغلق الحديقة الأولمبية أبوابها في الأسبوع المقبل وسيبدأ العمل فيها مرة أخرى. سوف يتم افتتاح الحديقة الأولمبية على مراحل بداية من يوم 27 يوليو (تموز) عام 2013 تحت اسم «حديقة الملكة إليزابيث الأولمبية». سوف تصبح «حديقة الملكة إليزابيث الأولمبية» مكانا طبيعيا لإنشاء وازدهار الشركات، حيث إنها توجد في مكان مثالي يمكنها من أن تكون مركزا تجاريا. وتعتبر منطقة «إيست إند» في لندن معقلا للاستثمارات والنمو، فبوجود اثنين من أهم المراكز التجارية في العالم، مدينة «لندن سيتي» و«كناري وارف»، اللذين يبعدان بمسافة أربعة محطات فقط عن طريق السكك الحديدة أو المترو، سوف تصبح الحديقة الأولمبية مكانا مثاليا للأعمال. وتعد «حديقة الملكة إليزابيث الأولمبية» فرصة نادرة للاستثمار، حيث إنها تعكس اتجاها حديثا لتحول مدينة لندن ناحية الشرق. وبالتالي سوف يسمح وجود مجموعة من المساحات المفتوحة والأماكن الحديثة ومركز تسوق عالمي ومجموعة من المجتمعات الحيوية بتطوير وجهة جديدة للأعمال التجارية.

وتتمتع المنطقة بالفعل بوجود خمسة مواقع رياضية من الطراز العالمي وقرية للرياضيين تضم نحو 2.800 منزل جديد وبنية تحتية فائقة الجودة ومراكز اتصال عالمية وأماكن لممارسة ركوب الدراجات والمشي ووصلات للطرق تضم ممرات مائية تم تطويرها حديثا وبعضا من أفضل وسائل المواصلات في أوروبا.

وإلى جانب الحديقة الأولمبية تماما يقع مركز «ويستفيلد» للتسوق، وهو أكبر مركز تسوق مغطى في أوروبا، فضلا عن كثير من الخيارات السكنية والتجارية المهمة، مما يعني أن الحديقة الأولمبية والأماكن المحيطة بها سوف توفر بعضا من أفضل الفرص الاستثمارية في بريطانيا العظمى على مدار العقود المقبلة.

سوف تكون الحديقة الأولمبية واحدة من أهم المشروعات الرامية إلى إعادة تجديد العاصمة البريطانية لندن على مدار الأعوام الـ25 المقبلة، فضلا عن أنها ستكون في قلب النمو الذي ستحققه العاصمة في القرن الحالي بوصفها مشروعا فريدا من نوعه وعاملا محفزا على التحول باتجاه شرق المدينة، مما سيوفر فرص أعمال شديدة الروعة.

سوف يعاد تسمية القرية الأولمبية باسم «القرية الشرقية». تم تطوير هذه القرية من قبل شركة «ترايثلون هومز»، وهي شركة مشتركة تم تأسيسها بواسطة شركات «فيرست بيز» و«إيست ثامز غروب» و«ساوثيرن هوسينغ غروب». قامت هذه الشركة بالاستحواذ على 1.379 منزل في «القرية الشرقية» تتمتع بجودة عالية وأسعار معقولة، مما ساعد على ضمان نجاح منطقة ستانفورد ومجتمع شرق لندن الأوسع نطاقا عقب انتهاء دورة الألعاب الأولمبية ودورة الألعاب البارالمبية في لندن عام 2012.

وتوجد بالفعل العديد من الاستثمارات الشرق أوسطية في المدينة، فهناك مشروع مشترك بين شركة «ديار» القطرية وشركة «ديلانسي» لامتلاك 1.439 من منازل الأسواق المفتوحة في «القرية الشرقية»، وسوف تكون غالبية هذه المنازل متاحة للإيجار الخاص. تلتزم شركات «ديار» و«ديلانسي» و«ترايثلون هومز» بتحويل «القرية الشرقية» إلى مكان رائع للحياة في قلب المنطقة الشرقية من العاصمة لندن ومساعدة كثير من الأشخاص ذوي الدخول المختلفة على العيش في هذه المنطقة الجديدة والنابضة بالحياة. ويتوقع العديد من المحللين أن يدر الاستثمار العقاري في ستانفورد عائدات أعلى من متوسط العائدات في لندن، وهو ما يرجع إلى حتمية ارتفاع أسعار العقارات في ستانفورد ليس فقط بسبب الاتجاه العام لتعافي أسعار العقارات في لندن، وإنما أيضا بسبب اتجاه هائل لتحويل ستانفورد إلى مركز أعمال جديد في أوروبا، مع وجود وسائل اتصالات محلية ودولية متطورة للغاية.

سوف يتم بناء 5 أحياء جديدة في الحديقة الأولمبية وما يصل إلى 8.000 منزل جديد، مع التأكيد على المنازل العائلية التي تتكون من ثلاث غرف نوم أو أكثر. ستستفيد الشركات والموظفون في مختلف القطاعات، بداية من الشركات الناشئة وحتى المؤسسات العالمية، من حيوية وإمكانية الوصول السهل الذي يتمتع به هذا المكان المتطور للغاية. وحيث إن المملكة المتحدة هي مكان يسهل فيه القيام بالأعمال، فهناك كثير من الفرص أمام المستثمرين والشركات الشرق أوسطية للعثور على فرص عمل في هذا المعقل الجديد والسريع للاستثمار والنمو.

وفي الوقت الذي تعود فيه لندن إلى وضعها الطبيعي، هناك أيضا القليل من الأشياء التي تدفع على التفاؤل في القطاع الاقتصادي الأوسع نطاقا، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع الناتج الصناعي البريطاني في يوليو الماضي بأسرع وتيرة له منذ 25 عاما. أكد «مكتب الإحصاءات الوطنية» في لندن أن الناتج الصناعي ارتفع بنسبة 2.9 في المائة بعد أن انخفض بنسبة 2.4 في المائة في شهر يونيو (حزيران) الماضي جراء الاحتفالات باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث الثانية. ارتفع ناتج الصناعات التحويلية بنسبة 3.2 في المائة، وهي الوتيرة الأسرع في 10 سنوات، بعد هبوطه بنسبة 2.9 في المائة في شهر يونيو. ولكن الأمر المثير للاهتمام حقا هو تراجع أعداد العضوية في اتحاد النقابات العمالية في بريطانيا إلى أقل من 6 ملايين شخص للمرة الأولى منذ أربعينات القرن العشرين، حيث وصل عدد أعضاء النقابات العمالية في بريطانيا إلى 5.98 مليون عضو، وهو ما يقل عن نصف العدد منذ 30 عاما فقط. وبالنظر إلى مرور 20 عاما على تولي رئيسة الوزراء الإنجليزية السابقة مارغريت ثاتشر مقاليد السلطة في البلاد وتشديد تشريعات الاتحاد، يشير هذا الأمر إلى أن القوة العاملة الماهرة في بريطانيا قد أصبحت قنوعة، وهو ما يعد ميزة إضافية لأولئك الذين يتطلعون للاستثمار في بريطانيا العظمى نظرا لتوافر الموظفين المهرة والمنتجات عالية الجودة التي تستطيع النفاذ بسهولة إلى أسواق الصادرات البريطانية.

وعلى الجانب الآخر، عزز اليورو من قوته ليصل إلى أعلى مستوى له خلال شهرين مقابل الدولار الأميركي، نظرا لاستمرار خطط «البنك المركزي الأوروبي» في شراء السندات في إرضاء الأسواق. تراجع العائد على السندات الإيطالية والإسبانية لأجل 10 سنوات، وهو ما أدى إلى تخفيض تكاليف الاقتراض الضمنية للدول المثقلة بالديون. ويوم الخميس الماضي، كشف ماريو دراجي، رئيس «البنك المركزي الأوروبي»، عن تفاصيل خطة البنك لشراء السندات التي تهدف إلى تخفيف أزمة الديون في منطقة اليورو. وبموجب هذه الخطة، سوف يوافق «البنك المركزي الأوروبي» على شراء كميات غير محدودة من السندات الخاصة بأعضاء منطقة اليورو المثقلين بالديون شريطة تقدم هذه البلدان بطلب رسمي للحصول على أموال خطة الإنقاذ والالتزام بشروط أي اتفاق.

وشهدت أسواق المال الأوروبية ارتفاعا صبيحة يوم الجمعة الماضي، بعد صعودها القوي قبل ذلك، نظرا لزيادة التفاؤل بشأن الآفاق الاقتصادية لمنطقة اليورو.

ومن ناحية أخرى، ففي بداية منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا - المحيط الهادئ (آبيك)، الذي يعقد في مدينة فلاديفوستوك الروسية الساحلية، تعهد الرئيس الصيني هو جين تاو بتعزيز النمو الاقتصادي لبلاده لدعم التعافي العالمي. لا تزال كل هذه الأمور بمثابة البراعم الخضراء، ولكن يتوجب علينا العناية بها للخروج ببطء من الانكماش الاقتصادي العالمي. وتدرك المملكة العربية السعودية جيدا أن تحقيق أهدافها الاقتصادية الطموحة يتطلب تدفقا متواصلا للتكنولوجيا والخبرات إلى المملكة، ولهذا، فإن سياستها الرامية إلى الترحيب برؤوس الأموال الأجنبية ودعوتها للمشاركة في مشروعات التنمية الاقتصادية بالتعاون مع الشركات السعودية قد تزيد من سرعة تحقيق أهدافها من خلال المشروعات والاستثمارات المشتركة مع الشركات الإنجليزية.

وكما قال البروفسور البريطاني ستيفن هوكينغ في افتتاح دورة الألعاب البارالمبية «لندن 2012»: «انظر إلى النجوم في الأعلى ولا تنظر إلى قدميك في الأسفل.. انظر إلى النجوم في الأعلى ولا تنظر إلى قدميك في الأسفل».

* أستاذ زائر في كلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن ميتروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»