اعتبارات الوظائف والنمو وخفض عجز الموازنة الأميركية

TT

بعيدا عن كرسي الرئاسة الذي طالب كلينت إيستوود أوباما بالتخلي عنه، كان الأمر الأساسي في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري هي ساعة الديون، التي تسلط الضوء على عجز موازنة الحكومة الفيدرالية وازدياد حجم الدين القومي. ستكون أهمية معالجة العجز من الموضوعات الأساسية التي سيهتم بها الحزب الجمهوري خلال الخريف الحالي. حتى هذه اللحظة، يتبنى الديمقراطيون نهجا دفاعيا في هذا الأمر من خلال انتقاد طريقة رومني - ريان. وحان وقت التحول إلى الهجوم من خلال وضع خطة بالتوجه نحو الأمام وخط الوسط. بفضل الرئيس السابق جورج بوش الابن، هل تذكر هذا الرجل المحافظ المتعاطف؟ لدي اسم جيد لمبدأ أساسي ينبغي أن يكون دليلا عند تقديم الحزب الديمقراطي بديلا يتمثل في خفض عجز الموازنة بطريقة تتسم بالشفقة. جوهر الأمر هو خفض العجز بطريقة لا تضر الناس والوظائف والفرصة الاقتصادية قدر الإمكان. وكان هذا المبدأ موجودا بشكل ضمني في أكثر المقترحات المتعلقة بموازنة عام 2013 التي قدمها الرئيس أوباما وأكثر ما قاله عن عجز الموازنة في مؤتمر الحزب الديمقراطي يوم الخميس الماضي. مع ذلك، تبني هذا النهج بشكل واضح لا مواربة فيه من شأنه أن يحسن المكون الأساسي لخطة أوباما ويسهل شرحها للناخبين.

أول مبدأ هو التحرك ببطء. يعتزم المستثمرون إقراض الولايات المتحدة بأقل سعر فائدة في تاريخنا، وهذا يمكننا من خفض العجز بحسب الجدول الزمني الذي وضعناه.

وينبغي أن نقر خطة شاملة قوية خاصة بعجز الموازنة في أسرع وقت ممكن، لكن ينبغي جعل خفض الإنفاق الحقيقي وزيادة الضرائب على مراحل مع تعافي الاقتصاد. ما سبب تبني هذا النهج الذي يتسم بالشفقة؟ السبب هو أن بدء تنفيذ خطة تقشف شديد فورا سوف يعود بنا إلى حالة الركود مرة أخرى. ودق مكتب الموازنة في الكونغرس ناقوس الخطر منذ بضعة أسابيع عندما صرح بأننا نتجه إلى منحدر مالي، في إشارة إلى تسبب انكماش مالي قدره 500 مليار دولار من المقرر أن يحدث عام 2013 في ارتفاع معدل البطالة سريعا.

وهناك قاعدة أساسية تقول إن كل خفض في الموازنة بمقدار 100 مليار ستكون تكلفته فقدان نحو مليون وظيفة على المدى القريب. إذا لم يكن هذا سببا كافيا للتحرك تدريجيا، فما السبب الكافي إذن؟ مع ذلك، إذا كنت في حاجة إلى سبب آخر، يكفيك إلقاء نظرة على أوروبا.

وهناك طريقة واقعية للتحول تدريجيا تتمثل في الجمع بين إجراءات خفض الموازنة وإجراءات جادة لتوفير وظائف على المدى القريب مثل برنامج البنية التحتية قصير المدى واستمرار خفض الضرائب على رواتب الأسر العاملة لمدة عام الذي أُقر عام 2010. ودعم الرئيس أوباما الجانبين في مشروع قانون الوظائف الأميركي في سبتمبر (أيلول) الماضي. سيكون الأفضل منح أصحاب الأعمال الذين يزيدون معدل التوظيف مزايا ضريبية كبيرة بحيث لا يسعهم سوى ملاحظتها، ومنح حكومات الولايات والمجالس البلدية مجموعة من المساعدات الكريمة التي تكفي وقف نزف وفقدان وظائف المعلمين والخدمات الحكومية الأساسية.

ومن الملامح الأخرى لخفض عجز الموازنة مع مراعاة الاعتبارات الإنسانية، إجراء إصلاح ضريبي جيد يزيد العائدات ولو بقدر ضئيل. مشكلات الموازنة كبيرة إلى الحد الذي يجعل حلها من خلال خفض الإنفاق وحده مدمرا لشبكة الأمان الاجتماعي وسببا في تراجع الاستثمارات اللازمة لتحقيق نمو وتوافر فرص اقتصادية على المدى الطويل. لذا ينبغي أن يكون العمل على زيادة العائدات جزءا من الخطة الشاملة المتكاملة.

وكرر الرئيس أوباما حثه الكونغرس على إنهاء خفض الضرائب على الذين يجنون أكثر من 250 ألف سنويا، الذي كان بوش قد أقره. وتعد زيادة الضرائب على الذين يجنون قدرا كبيرا من المال طريقة بديهية لزيادة العائدات من خلال الحصول عليها من الذين يستطيعون تحمل التكلفة.

ويوصي كثير من الخبراء بزيادة العائدات من خلال خفض النفقات الضريبية التي تبلغ نحو تريليون دولار وتحدث بسبب الخصومات والمزايا والثغرات. من المرجح أن تكون تأثيرات خفض النفقات الضريبية غير المرغوب فيها أقل من تأثيرات زيادة نسبة الضريبة الهامشية غير المرغوب فيها. مع ذلك، من المهم أن نتحرك بحرص. تستفيد الأسر التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة بكثير من النفقات الضريبية مثل خفض سعر الفائدة على قروض الرهن العقاري والقروض الدراسية. ولن يتسم خفض تلك النفقات وحده بالشفقة، حيث سيضع أعباء الضرائب على كاهل الأسر العادية التي تعاني من أجل أن تفي بمتطلبات الحياة البسيطة.

من أوجه خفض النفقات الضريبية الكبرى التي يستفيد منها الأثرياء معدل الضرائب المنخفض على أرباح رأس المال والأرباح على الأسهم، حيث أدى خفض الضرائب عام 2003 إلى خفض أعلى نسبة ضريبية على هذا الدخل إلى 15 في المائة، أي أقل كثيرا من الـ35 في المائة التي تمثل أعلى نسبة ضريبية على دخول أخرى. ويتطلب خفض عجز الموازنة الرغبة في زيادة هذه النسبة التفضيلية.

ويعد الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية سببا رئيسيا لرعبنا من عجز الموازنة على المدى البعيد. ويجب أن تعمل أي خطة عجز فاعلة على إبطاء هذه الزيادة في الإنفاق. مع ذلك، ستساعد خطة تهتم بالاعتبارات الإنسانية على تقليل المخاطرة بالناس، خاصة الفئات المستضعفة منهم، إلى الحد الأدنى. والسؤال الرئيسي هو: هل ينبغي أن تظل الرعاية الصحية والمساعدات الطبية في إطار برامج مستحقة تضمن مستوى محددا من الرعاية كما يعتقد الديمقراطيون أم ينبغي أن تكون في إطار برامج مساهمة محددة تخلو من الإنفاق الفيدرالي كما يقترح الجمهوريون؟

وأوضح الديمقراطيون ببلاغة أنه في حال تقديم مساهمة فيدرالية محدودة وعدم إبطاء التنافس للتكلفة بشكل متكافئ على نحو أشبه بالسحر، سيكون على الأفراد والولايات دفع المزيد. وإذا لم يدفع الأفراد في ظل برنامج الرعاية الصحية تكلفة إضافية، فسيحصلون على تغطية أقل شمولا ومزايا أقل. أما في إطار برنامج المساعدات الطبية، فإذا لم ترغب الولايات في دفع التكلفة الإضافية، فسيتعين عليهم حذف أسماء الناس من الكشوف. ومع ذلك، على الديمقراطيين توضيح خططهم الخاصة بإبطاء إنفاق برنامج الرعاية الصحية الحكومي. وينبغي أن لا يتخذوا موقفا دفاعيا في ما يتعلق بالعثور على توفير قدره 716 مليار دولار في الرعاية الصحية في إطار تشريع لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وينبغي لهم أيضا توضيح أنها كانت تغييرات منطقية خفضت المدفوعات الزائدة إلى مقدمي الخدمة مثلما فعل الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، في خطابه يوم الأربعاء.. وينبغي أن يسألوا ميت رومني، الذي تعهد بإلغاء هذه الإصلاحات، لماذا يريد إهدار أموال دافعي الضرائب. إضافة إلى ذلك، على الديمقراطيين توضيح أن خفض عجز الموازنة مع الاهتمام بالاعتبارات الإنسانية سيشمل المزيد من الإصلاحات على هذه الشاكلة. لحسن الحظ، هناك خلل في النظام الحالي، لذا من الممكن خفض التكاليف من دون الحد من المزايا. مع ذلك، إذا كنا لا نستطيع توفير ما يكفي من المال من خلال الحد من الإهدار والعثور على طرق أفضل لتقديم الرعاية الصحية، فربما يكون علينا التفكير في خيارات أكثر قسوة وإيلاما.

وسيكون جعل الأثرياء يدفعون حصة أكبر من تكاليف الرعاية الصحية الخاصة بهم من خلال تمحيص المزايا وسيلة ممكنة لتحقيق ذلك. ستكون زيادة سن مستحقي الرعاية الصحية تدريجيا وسيلة أخرى. ربما لا تبدو هذه رسالة إيجابية، إلى أن تقارنها بخطة الحزب الجمهوري، التي تعطي لشركات التأمين الخاصة حق اختيار الطريقة التي يخفضون بها التكاليف. كما ستتطلب معالجة العجز أكثر من مجرد زيادة العائدات وإصلاح برامج الرعاية الصحية. كذلك سيكون علينا خفض الإنفاق بشكل أكبر. ويتطلب خفض عجز الموازنة بشكل يتسم بالشفقة أن نختار أوجه الخفض بحرص وحذر، حيث من الضروري الحفاظ على الإنفاق الذي يحمي الأطفال، مثل الأموال المخصصة لوجبات الغداء والأمصال. كذلك يجب الحفاظ على المساعدات المقدمة للعاملين المتضررين بسبب التجارة الدولية وقدامى المحاربين الذين يجاهدون من أجل التعايش مع إصابات الحروب. وينبغي أن لا يخجل الديمقراطيون من دعم زيادة الإنفاق الذي يحفز الفرص والنمو على المدى الطويل. ولا تعد المساعدات الخاصة بالتعليم الحكومي الفعال و«منح بيل»، التي تساعد الطلبة محدودي الدخل على الالتحاق بالجامعة، رفاهية؛ بل وحدات لبناء القوى العاملة في المستقبل وأساس الحلم الأميركي. الإنفاق على البنية التحتية والبحث العلمي الأساسي أمر ضروري لزيادة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة.

مع ذلك، حتى يكون دعم أوجه الإنفاق الجيدة واقعيا ويتسم بالمصداقية، ينبغي أن يحدد أصحاب هذا التوجه أوجه الخفض. أنا شخصيا سأبدأ ببرامج دعم سعر المنتجات الزراعية والتأمين على المحاصيل المدعمة التي تعود بالنفع على عدد كبير من المزارعين التجاريين. وسيكون اختياري التالي هو إنشاء سكك حديدية سريعة، مع أسفي لسيادة نائب الرئيس.

وإذا كان وزير الدفاع يقول إنه من الممكن خفض ميزانية وزارة الدفاع بمقدار 487 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة دون وقوع ضرر، فينبغي أن نصغي إليه. ومن الخطر التحدث بصدق في ما يتعلق بالعجز، فالناخبون مهتمون بفكرة خفض الموازنة المجردة أكثر من اهتمامهم بالتفاصيل المؤلمة الخاصة بتحقيق ذلك. مع ذلك، خفض الموازنة مقبل لا محالة، والانتخابات المقبلة ستحدد على الأرجح كيفية تحقيق ذلك. الديمقراطيون مدينون للشعب الأميركي بتوضيح تفاصيل نهجهم، الذي يتسم بالشفقة ويهتم بالاعتبارات الإنسانية، بحيث يستطيع الناخبون الاختيار على أساس المعطيات والمعلومات.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أستاذة اقتصاد بجامعة كاليفورنيا، في بيركلي، ورئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس أوباما