عالم أكثر تدينا

TT

تردد ذكر اسم «الله» في عدد من المؤتمرات التي عقدت مؤخرا، فجاء ضمن بيان المؤتمر الوطني الديمقراطي، وفي بيان الحزب الجمهوري، بما لا يقل عن 12 مرة، إن أردنا الإحصاء.

لكن الخبر الحقيقي هو أن العالم شهد ارتفاع عدد المؤمنين خلال الألفية الماضية، بحسب نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز «بيو» للأبحاث، وتظهر الإحصاءات أنه على الرغم من التقدم الذي يشهده العالم كل يوم، فإن تمسك الأفراد بالدين يزداد، مع ارتفاع أعداد معتنقي المسيحية والإسلام في دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية.

تبعث دراسات «بيو» على الاطمئنان من حيث إشارتها إلى أن الارتفاع في أعداد معتنقي المسيحية والإسلام في أفريقيا صاحبته درجة مذهلة من التسامح مع الآخر ودعم الديمقراطية. وأظهروا أيضا أصولية كبيرة، حيث يدعم المسيحيون تطبيق الشريعة التوراتية بقدر دعم المسلمين الشريعة الإسلامية.

ويعود الفضل في انتشار المسيحية في أفريقيا إلى أوروبا، وبحسب الدراسة التي أجراها مركز «بيو» عن المسيحية العالمية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم يعد الإيمان بالمسيح ظاهرة متمركزة في منطقة اليورو. ففي عام 1910 كان 66.3 في المائة من مسيحيي العالم يعيشون في أوروبا، وفي عام 2010 تراجعت هذه النسبة إلى النصف لتصل إلى 25.9 في المائة.

وقالت الدراسة: «لم تعد أوروبا تهيمن على المسيحية العالمية بالصورة نفسها التي كانت عليها قبل 100 عام»، وتعد الأميركتان التجمع المسيحي الأكبر في العالم في الوقت الراهن، لكن الصحوة المسيحية في أفريقيا كانت الأقوى؛ حيث ارتفعت أعداد المسيحيين من 9 في المائة في عام 1910 إلى 63 في المائة من سكان القارة في عام 2010.

وكان 1.6 مليار مسلم حول العالم موضع دراسة نشرها مركز «بيو» الشهر الماضي تحت عنوان «مسلمو العالم: الوحدة والتنوع»، وتضمنت 3.800 مقابلة في 39 دولة. وجدت الدراسة أن تمسك المسلمين بدينهم كان قويا في جميع أنحاء العالم، حيث قال 93 في المائة إنهم صاموا رمضان، و77 في المائة قالوا إنهم يؤدون الزكاة، و63 في المائة قالوا إنهم يؤدون الصلوات الخمس.

ولا تزال الغالبية العظمى في العالم الإسلامي متمسكة بثوابت الدين؛ فيؤمن 89 في المائة منهم بالقدر، و88 في المائة بالملائكة، و94 في المائة قالوا إنهم يؤمنون بالجنة، لكن، المثير للانتباه، أن 87 في المائة فقط قالوا إنهم يؤمنون بالنار.

ووجدت الدراسة أن شباب المسلمين أقل التزاما من الأفراد الذين تخطوا عمر الخامسة والثلاثين، لكن بنسبة ضئيلة. ففي مصر على سبيل المثال، يقول 74 في المائة من الشباب إن الدين مهم جدا في حياتهم مقارنة بـ76 في المائة من كبار السن. والمرأة المسلمة في أغلب المناطق أكثر تمسكا بالدين من الرجل، وأنها أكثر من الرجال في الصلاة وقراءة القرآن أو الاستماع إليه يوميا.

هناك كثير من الحديث في العالم الإسلامي عن الشقاق السني – الشيعي، لكن دراسة «بيو» وجدت قدرا أكبر من التسامح في الدول التي يمتزج فيها أبناء الفرقتين.

وتشهد دول جنوب الصحراء الكبرى أزهى عصور الازدهار الديني في التاريخ، بحسب البيانات التي نشرتها دراسة «بيو» التي نشرت في أبريل (نيسان) عام 2010 التي اعتمدت على أكثر من 25.000 مقابلة في 19 دولة، ووجدت الدراسة أن عدد السكان المسلمين تضاعف 20 ضعفا منذ عام 1900، إلى 234 مليون مسلم، فيما كان نمو المسيحية هناك أكثر تميزا، حيث زادت أعدادهم 70 ضعفا لتصل إلى 470 مليون مسيحي. يتمسك أتباع كلتا الديانتين بدينهم، حيث يقول تسعة من بين كل 10 إن الدين بالغ الأهمية في حياتهم.

ما يبعث على السعادة، أن هذه الزيادة في الإقبال عن الدين في أفريقيا تأتي مصحوبة بتسامح واسع النطاق تجاه الآخرين. فالغالبية العظمى في كل دولة يشعرون بحرية كبيرة في ممارسة دينهم. ويؤمن مسلمو ومسيحيو أفريقيا بعودة المسيح، حيث يقول 61 في المائة من المسيحيين إن المسيح سيعود إلى الأرض في حياتهم، ويعتقد 52 في المائة من المسلمين أن الخلافة ستقام بعد فترة وجيزة خلال حياتهم.

ويحمل كثير من الأفارقة المؤمنين علاقة تمزج بين الحب والكراهية مع الثقافة الأميركية، فالقاسم الأعظم في أغلب الدول يقولون إنهم يعتقدون أن الأفلام الغربية والموسيقى والتلفزيون تنافي الفضيلة، في الوقت الذي تعبر فيه الأغلبية عن حبها للأفلام الغربية والموسيقى والتلفزيون.

وماذا بشأن الدين في أميركا؟ تسببت دراسات «بيو» المتعددة في نشر عدد من البيانات الشيقة، لكني هنا سألقي الضوء على دراستي المفضلة؛ وهو المسح الذي أجري في سبتمبر (أيلول) 2010 على مستوى البلاد، والذي وجد لدى طرح 23 سؤالا لاختبار المعرفة الدينية، أن الأشخاص الذين حصلوا على النسب الأعلى من الإجابات الصحيحة كانوا إما «ملحدين» أو قالوا «لا أدري».

* خدمة «واشنطن بوست»