هل انتهى عصر 11 سبتمبر؟

TT

تمر اليوم الذكرى الـ11 لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، على نيويورك وواشنطن، تلك الهجمات التي غيرت وجه العالم كله، وفرضت أسئلة مؤجلة على العالم الإسلامي، وعلى الغرب أيضا.

جرت في الساقية عقب تلك السنة الفاصلة، مياه ودماء وعرق ودموع، دول سقطت، ودول عبرت، جماعات نهضت وتيارات انكسرت، رموز اندثرت، ورموز انبعثت، بكلمة واحدة: بدأ عهد جديد.

قيل وكتب الكثير عن الإسلام، ودواخله، وتاريخه، وفكره، كما قيل الكثير عن مجتمعات المسلمين، هناك من حاول استغلال قوة الدفع في انفجار سبتمبر من أجل سوق هذه القوة إلى محركات المصالح الخاصة به، وهناك من حاول تضييع بوصلة الأسئلة التي تمس النقد والذات، هربا من مواجهة مؤلمة مع النفس، فحاول فرض الأسئلة التشتيتية.

لكن الحدث الأضخم بعد حدث العقد الأول من الألفية الثانية، كان ما جرى في بداية العقد الثاني، 2011، أعني بداية ما سمي بالربيع العربي، وهو قد بدأ في ذبالة السنة السابقة لـ2011، في ديسمبر (كانون الأول) 2010، حيث بدأت النار التونسية من جسد البوعزيري، ثم امتدت لمصر فليبيا فاليمن فسوريا، وغيرها.

في هذه اللحظة الربيعية، هللت التيارات الإسلامية المسيّسة، ومعها الحالمون من الثورجيين العرب، ومعهم الرومانسيون من أتباع الحقوق الإنسانية والحلم الديمقراطي في الغرب.

وحدهم من لم يلتفتوا لهذه الحفلة الصاخبة والطبل والزمر، هم مجاميع «القاعدة» والتيارات الجهادية، فهم لديهم قصة أخرى وتحد مختلف، مهما حاول بعض السذج القول إن الربيع العربي لهو دليل على فناء «القاعدة» وفكر «القاعدة» وإنه سحب البساط من تحت جماعات «القاعدة» والتيارات الجهادية، وغير ذلك من الكلام الخفيف. وهو كلام قاله كتاب عرب، وكتاب من «الخواجات» مثل توماس فريدمان ونيكولاس كريستوف، وغيرهما، وقاله بعض رموز التيارات الإخوانية، من أجل ترويج أكذوبة أن «القاعدة» ليست إلا بعبعا كاذبا من صنع الأنظمة المخلوعة، طبعا تبين أن هذا الكلام هو الملفق والمزور، وها هي مصر الإخوان، مصر مرسي، تعاني الأمرين من التيارات الجهادية في مصر بسيناء.

قبل أيام، أعلن عن وجود مقاتلين تابعين للجماعة الإسلامية في مصر في الأراضي السورية، وقد قال محمد الظواهري، الشقيق الأكبر لأيمن الظواهري، أيضا قبل أيام، إنه يرى وجوب أن يذهب المسلمون قاطبة للقتال في سوريا، فهو جهاد، والظواهري أفرج عنه الرئيس مرسي، ضمن رموز جهادية أخرى، في هذه الأيام.

أيضا في مصر، قبل أيام قليلة، أعلن الشيخ أبو منذر الشنقيطي، مفتي جماعة «التوحيد والجهاد» المصرية، المتهمة بالضلوع في تفجيرات طابا وشرم الشيخ، عدم الاعتراف ببيعة الرئيس المصري محمد مرسي والحكومات «الإخوانية».

ونقلت صحيفة «الوطن» المصرية عن الشنقيطي قوله في منشور يحتوي على عدد من الفتاوى: إن «هذه الحكومة ليس لديها تأويل سائغ يدفع عنها الكفر، فهي أحيانا تصرح بأنها لا تسعى لتحكيم الشريعة وأحيانا تدعي ذلك مع التزامها القوانين الوضعية والخضوع لغير شرع الله».

وأضاف الشنقيطي أنه «لا ينتظر من الحكومات الإخوانية أن تسمح في مناطق نفوذها بتنامي قوة المجاهدين، أو الإعداد للجهاد أو التحريض عليه، بل ستسعى مع حلفائها الغربيين إلى القضاء على ما يسمونه الإرهاب».

وأشار إلى أن «المشروع الإخواني ليس معنيا بتطبيق الإسلام في واقع الناس، بل هو معني فقط بالهيمنة على السلطة والتغلغل في مراكز النفوذ».

ولفت إلى أن «الإسلام الذي يسعى (الإخوان) إلى تطبيقه هو إسلام مميع مشوه ممسوخ، ونتاج لفكر منحرف»، معتبرا أن «وصول (الإخوان) إلى السلطة لن يكون تكريسا للإسلام على أرض الواقع بل سيكون تجربة يظهر من خلالها للناس مدى انحراف هذه الجماعة وبعدها عن شرع الله، وسلطة (حركة) حماس في غزة، وحزب النهضة في تونس، نموذج لذلك».

قل مثل هذا الأمر عن الجهاديين في تونس، تونس حركة النهضة والغنوشي، وقل مثله في المغرب، الفكرة أن هذه الجماعات والتيارات ليست معنية بقضية الديمقراطية بتاتا، قضيتها مختلفة. وزائف تفسير «الإخوان المسلمين» سابقا، ومثلهم بعض سذج اليسار والليبرالية، بأن سبب نشوء التيارات الجهادية هو عدم ترك المجال للإسلام المعتدل (أي الإخوان المسلمين) هو الذي جعل هذه الجماعات الجهادية تنشط وتستفرد بالساحة، وربما باع «الإخوان» مباشرة أو بشكل غير مباشر هذه الفكرة على الغرب والشرق، وربما هذا ما يفسر الترحيب الأميركي الواضح بحكم «الإخوان» للدول العربية المعنية، مصر وتونس وليبيا ربما، واليمن.

سبق أن سألنا: هل هذا الرهان أو المقامرة الأميركية واقعي وحقيقي ومضمون؟! المؤشرات الأولية لا تقول ذلك.

هل استفادت «القاعدة» من الربيع العربي؟! على عكس السؤال المطروح: هل أضر الربيع العربي بفكر وشعبية «القاعدة»؟

الواقع يقول: إن مجاميع «القاعدة» والتيارات الجهادية زاد نشاطها بسبب الربيع العربي تحديدا، وها نحن نرى النشاط الرهيب لـ«القاعدة» في الصحراء الكبرى بأفريقيا، وهي الآن تحتل شمال مالي، وأسقطت الحكومة المالية، وتشاغب موريتانيا، وتخطف الناس، وتعلن قيام إمارتها، إمارة أنصار الدين، وتمد نشاطها خارج حدود الصحراء ومناطق الطوارق، وتتحول إلى منطقة جذب وتجنيد لـ«القاعدة» على مستوى العالم.مثل ذلك بصورة مشابهة يجري في اليمن، حيث تحولت الأراضي اليمنية إلى جنة بالنسبة لنشطاء «القاعدة»، خصوصا السعوديين، رغم الحملات الأميركية واليمنية.

وفي أفغانستان والشريط الحدودي، لم يتغير شيء، بل زاد شر ونشاط هؤلاء القوم.

بنظرة عابرة إلى الخارطة، سترى أن أقصى الشرق الإسلامي، أفغانستان وباكستان، وجنوب وسط العالم الإسلامي، اليمن، وأقصى الغرب الإسلامي، مناطق الصحراء الأفريقية الكبرى، قد تحولت إلى نقاط ارتكاز للتيارات الجهادية القاعدية، وهذه صورة حدثت بسبب أشياء سابقة للربيع العربي، وبسبب أشياء بفعل الربيع العربي كما هو الحال في شمال مالي المتأثرة بجو الاضطراب الحاصل في دول شمال أفريقيا العربية.

السؤال هو: ما شأن شبان ومنظري «القاعدة» بالربيع العربي؟

ولماذا سيكون الربيع العربي سببا في انحسار هذه الجماعات؟ لست أفهم هذا الربط المتعسف. «القاعدة» وكل من يمثل فكرها وخيارها لديهم أهواء وأحلام أخرى لا علاقة لها بالحرية والديمقراطية، هي باختصار «ماشية» في برنامجها وطريقها، وستحاول تسخير كل المتغيرات الحاصلة لصالحها، وليس أفضل من أن تخف قبضة السلطة، أي سلطة.

هل معنى هذا الكلام أن بقاء تلك الأنظمة الزائلة كان مفيدا ونافعا بالمطلق؟

لا طبعا، ولكنه يعني أن مشكلة «القاعدة»، مثل مشكلات الفقر والبطالة وانفجار السكان، مشكلات قائمة بذاتها ولديها محركات بقاء خاصة بها، وحلها يأتي بمواجهة ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، والأهم نقدية مع العقل المسيطر علينا!

هي مواجهة لم نقم بها حتى الآن، وليس خلع مبارك، أو هروب بن علي أو قتل القذافي أو إقصاء صالح، هي التي ستقضي بشكل «سببي» مباشر على هذه المشكلات. كانت تلك التحليلات عن زوال «القاعدة» بفعل الربيع العربي مجرد تمنيات وأحلام دافئة فقط.

للحالمين بأن الربيع العربي قد أنهى استحقاقات 11 سبتمبر الكبرى علينا، نقول: صح النوم.

[email protected]