صيف الحب في لندن!

TT

أبرز توصيف استخدمه كتاب الافتتاحيات في الصحف البريطانية في توصيف الأجواء التي عاشتها العاصمة لندن منذ أواخر يوليو (تموز) الماضي حتى ليلة الأحد الماضي التي شهدت الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية الموازية «بارالمبيك» التي يشارك فيها ذوو الاحتياجات الخاصة، والتي تلت دورة الأولمبياد العادية، أبرز توصيف هو «صيف الحب» نسبة إلى التأثير المعنوي الجيد على البريطانيين لفترة الأسابيع الستة الذهبية.

عشرات الملايين تابعوا المناسبتين وليس فقط احتفالات الافتتاح والنهاية المبهرة، ولكن أيضا المسابقات، بشغف وحماس وهم يرون رياضيي دول العالم يتنافسون في كل أنواع الرياضات، البعض يحصد الميداليات وآخرون حصلوا على شرف المشاركة والمنافسة في أهم مناسبة رياضية عالمية تهدف إلى تشجيع ثقافة التفهم والتسامح والسلام في العالم.

لقد كتب رئيس «مفوضية تساوي الفرص وحقوق الإنسان» في بريطانيا في رسالة ترافقت مع الحفل الختامي للـ«بارالمبيك» بمناسبة انتهاء مدته، نشرتها «الغارديان»، وهو يودع منصبه: أن عقدا من العمل والجهد الجاد خلق مجتمعا أكثر تسامحا من أي وقت مضى، وبالتأكيد فإن فترة الستة أسابيع الذهبية سيكون لها إسهام كبير في تدعيم روح التسامح والتفهم.

لقد كانت دورة الألعاب الأولمبية الأصلية مدهشة من حيث التنظيم والإعداد والمسابقات والاهتمام الجماهيري، لكن الأكثر إدهاشا كانت دورة الألعاب الـ«بارالمبيك» التي اختتمت الأحد بالاهتمام الجماهيري الذي حظيت به والحماس للاعبين والمتسابقين. وعلى حد قول أحد المعلقين فقد كانت هذه لحظة التعلم لأهل هذه البلاد فيما يتعلق بموضوع معقد وشائك حول أصحاب الإعاقات الجسدية وتعامل المجتمع معهم.. فقد شاهد عشرات الملايين وتفاعلوا مع رياضيين أصبحوا نجوما عالميين في كراسي متحركة أو بأطراف صناعية أو بإعاقات جسدية مختلفة، وهم يخوضون مسابقات صعبة التحدي، من عدو إلى سباحة وحتى رياضة الرغبي العنيفة.

وكان الجمهور هو البطل الحقيقي في مبيعات تذاكر قياسية لحضور مسابقات الـ«بارالمبيك»، والتي وصلت إلى 2.7 مليون تذكرة لحضور مختلف المسابقات، ولم يكن شراء تذكرة سهلا بسبب الطلب الشديد عليها، وذلك بعائدات بلغت 45 مليون جنيه إسترليني، وهو رقم قياسي مقارنة بمبيعات تذاكر في دورة الـ«بارالمبيك» السابقة في بكين، التي كانت 1.8 مليون تذكرة، بينما كان رقم المشاهدين تلفزيونيا في إحدى مسابقات العدو لمائة متر 6.3 مليون مشاهد.

وكانت مسابقات هذه الدورة بمثابة إلهام بالنسبة إلى كثيرين، على حد قول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.

لقد أسهمت هذه الدورة العالمية التي شارك فيها أكثر من 4200 رياضي من 164 دولة، في زيادة الوعي والاهتمام الجماهيري بأصحاب الاحتياجات الخاصة لدى الجمهور العادي الذي تفاعل معها بنفس الطريقة التي يتفاعل بها مع مسابقات عادية، لكن هذا لم يأت نتيجة مناسبة أو دورة واحدة أيا يكن حجم الإلهام الذي قدمته، بقدر ما هو نتيجة عمل دؤوب مجتمعي وحكومي على مدار عقود لزيادة وعي المجتمع بأصحاب الاحتياجات الخاصة وتقديم التسهيلات الحياتية التي تلائم متطلباتهم وتسهل مشاركتهم المجتمعية.

لقد شاركت عدة دول عربية في الـ«بارالمبيك» بفرق كثيرة، وقد حصدت ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية فاقت بكثير ما حققه رياضيوها الذين تنافسوا في مسابقات الدورة الأولمبية العادية. وهو ما يجب أن يكون أيضا مصدر إلهام نحو عمل دؤوب أهلي وحكومي للاهتمام وتوعية المجتمع بأن نسبة ليست صغيرة منه (بين 5 و10 في المائة من السكان) لها احتياجاتها الخاصة، وينبغي أن تتوفر التسهيلات الخدماتية في المرافق العامة والمواصلات والطرق والوظائف حتى يستفيد المجتمع من إمكانياتهم.