الصغار جلادون أيضا

TT

أمضيت العمر أكتب ضد عقلية الثأر والانتقام، ولن أكتب الآن معها. لكنني أيضا لا يمكن أن أقبل بأن تمر أي جريمة من دون عقاب، وأي خطأ من دون حساب. وقد دعوت هنا مرارا إلى معاقبة الجلادين الصغار وإلا لن يخرج العالم العربي من هذا القبول المخزي للتعذيب والتنكيل وعار الظلم.

لا يجوز أن يقول الجلاد الصغير إنه مجرد مأمور كان ينفذ ما يؤمر به. يجب أن يعرف أولا هل هو إنسان يرفض كل ما يأباه الضمير والخلق، أم هو عبد اختار لذة الوحشية. وهذا مصطلح غير دقيق، لأن الوحش لا يعذب ضحيته. الوحش لا يلتهم فريسته إلا بعد خنقها. «الإنسان» وحده اخترع أصناف التعذيب. «الإنسان» وحده جمع 1700 سجين في باحة سجن «أبو سليم» في طرابلس وأطلق عليهم النار، بمن فيهم 120 مريضا أخرجوا من زنازينهم.

السجناء السابقون أصبحوا هم السجانين في ليبيا اليوم، كما تروي «دير شبيغل». لا يزال معصم محمد غويدار حوله أثر الكهرباء مثل أسورة من الفحم. وسجينه اليوم هو حمزة، معذبه، الذي لا يعرف كم على وجه الضبط كان عدد قتلاه في سجن أبو سليم: «لقد كان الرشاش جديدا».

هو في السجن، وكذلك عبد الله السنوسي، الرجل الذي أعطى الأوامر، والذي كان هاربا في موريتانيا وسُلم إلى ليبيا، مريضا وذليلا، ولا تستطيع كل وحشيته الماضية أن تسعفه في مواجهة نفسه ومصيره.

ثمة سمة مشتركة للجلادين: جميعهم متطوعون، جميعهم يذهبون إلى أبعد مما يطلبه أسيادهم. عبد الله السنوسي كان لديه همّ واحد، وهو أن يسابق مخيلة القذافي في مطاردة المعارضين وفي التنكيل بهم، وفي اضطهاد الأبرياء، وفي ترهيب جميع فئات وطبقات الليبيين. استمرت الوحشية العربية على مدى عقود لأن الجلادين الصغار كانوا يذهبون إلى بيوتهم. كل جلاد صغير يجب أن يلقى درسا. وخلاصة الدرس أن الظالم الصغير مثل الظالم الكبير، والمأمور مثل الآمر. و«حمزة» في طرابلس لا يكون عقابه على يد ضحيته، محمد غويدار، بل أمام محكمة عالية وقاض خال من وضاعة الانتقام. القانون وحده ينشر العدالة. الثأر شيء لا نهاية له ولا عدالة فيه. ومثل عبد الله السنوسي مثل «حمزة»، الذي لم يستطع الفرار مع عائلته بسبب فقره. يجب أن يتعلم الفقراء أن الفقر ليس عبودية ولا رخصة للقتل «بسلاح جديد».