بوتين الطائر ورئيسة التحرير المقالة

TT

كان فقدان وظيفتي رئيسة لتحرير واحدة من أقدم وأشهر المجلات العلمية في العالم، وهي مجلة «فوكروغ سفيتا» (حول العالم)، أكثر سرعة وأقل ألما مما كنت أتوقع، بعد أن قضيت بضعة أشهر أفكر في كيفية حدوث هذا الأمر.

ففي أوائل الصيف الجاري، دخلت دار النشر المالكة للمجلة في اتفاقية شراكة مع «الجمعية الجغرافية الروسية». وفي الواقع، كان هذا الحدث، الذي يبدو عاديا، جزءا من عملية استحواذ من ذلك النوع الذي دائما ما تخشاه الشركات الروسية وغالبا ما تواجهه، حيث إن رئيس مجلس إدارة «الجمعية الجغرافية الروسية» هو الرئيس بوتين، مما يعني أن تلك المنظمة غير الحكومية يمكن أن تحظى بكل ما تريد، مثل مبنى مكون من 4 طوابق لاستضافة مكاتبها على بعد خطوات من مبنى الكرملين.

لذا، فعندما قرر قادة الجمعية في وقت سابق من العام الحالي الاستحواذ على مجلة «فوكروغ سفيتا»، أكثر المجلات الروسية الشهرية انتشارا وأعلاها جودة، قام ناشر المجلة طواعية بوضع عبارة «مجلة الجمعية الجغرافية الروسية» على الغلاف. احتفظ الناشر بالملكية الاسمية للمجلة - والمسؤولية المالية الكاملة عن ذلك - ولكن المجلة أصبحت الآن مجبرة على نشر موضوع واحد على الأقل في كل طبعة يتعلق بالجمعية. وعلاوة على ذلك، سوف يذهب صحافيو المجلة في الرحلات الخاصة بالجمعية، التي توصف بالكثيرة والغريبة والممولة بسخاء.

كان يراودني شعور كبير بالقلق بسبب كثير من الأمور، فعلى الرغم من أن هذه الرحلات سوف توفر لنا فرصا رائعة للذهاب إلى بعض الأماكن التي يستطيع القليل فقط من الصحافيين الذهاب إليها، مثل جزر سيبيريا الجديدة، إلا أن ممثلي «الجمعية الجغرافية الروسية» عادة ما يتعرضون للضغط الشديد للإفصاح عن السبب الحقيقي وراء مثل هذه الرحلات، وهو ما جعلني أشك في أن الجمعية تعمل مثل أي مؤسسة بيروقراطية أخرى في روسيا، حيث تنفق المال فقط لأنها تستطيع ذلك.

تمثل مصدر القلق، أو بالأحرى الخوف، الآخر في الاهتمام المتزايد الذي يبديه بوتين بأنشطة الجمعية وبجهود المحافظة على الطبيعة بشكل عام. ففي عام 2008 على سبيل المثال، ظهر بوتين وهو يقوم شخصيا بوضع طوق مزود بجهاز تعقب عبر الأقمار الصناعية على، ما كان يبدو أنه أحد النمور السيبيرية البرية، ولكن المدونات البيئية أكدت في وقت لاحق أن هذا النمر تم اقتياده من حديقة حيوان «خاباروفسك».

وبينما بدأ مراسلو مجلة «فوكروغ سفيتا» في الاشتراك في الرحلات الخاصة بـ«الجمعية الجغرافية الروسية»، كانوا يجلبون معهم المزيد من هذه الحكايات الخيالية. ففي عام 2010، قام بوتين بوضع طوق آخر مزود بجهاز تعقب عبر الأقمار الصناعية، ولكن هذه المرة على دب قطبي بري على جزيرة «فرانز جوزيف لاند». أخبر السكان المحليون مراسلينا في وقت سابق من ذلك العام أن هذا الدب تم القبض عليه قبل عدة أيام من زيارة بوتين، وتم إعطاؤه جرعة كبيرة من المخدر تحسبا لتلك الزيارة.

جلب نفس المراسل الصحافي معه حكاية أخرى، ولكنها هذه المرة كانت خاصة برغبة بوتين في أن يتم تصويره في عمق الحياة البرية في الحديقة الوطنية في الشرق الأقصى الروسي. قامت قوات الحراسة المرافقة لبوتين برسم طريق واضح المعالم خلال أحد مناطق الحديقة، بينما قام حراس المتنزهات المبتكرون بجلب جذوع الأشجار وربطها مع الأشجار حتى يتم التقاط هذه الصور التذكارية.

لكم كنت أكره تبني هذا الموقف، على الرغم من أنني أمضيت سنوات طويلة من عمري في العمل مراسلة ومحررة سياسية، ولم أكن بعيدة على الإطلاق عن مثل هذه التحقيقات، ولا سيما تلك التحقيقات التي تنطوي على مخاطر عالية. تمثل أحد أسباب موافقتي على تولي منصب رئيسة التحرير لمجلة علمية شهيرة في شعوري بأن الكتابات السياسية في روسيا، أو على الأقل باللغة الروسية، باتت أمرا يصعب الدفاع عنه، فضلا عن أنني لم أكن أتوقع مواجهة بعض الخيارات الصعبة في مجلة «فوكروغ سفيتا» العلمية.

تلقيت اتصالا هاتفيا يوم السبت الماضي من دار النشر، أكدت فيه أن إدارة الرئيس بوتين تريد فريقا من كتاب ومصوري مجلة «فوكروغ سفيتا» لمرافقة الرئيس في رحلة على متن طائرة شراعية تهدف إلى إعادة تقديم طائر الركي السيبيري إلى البراري مرة أخرى. بدأ قلبي يخفض بشدة، حيث كنت واثقة أن الصحافيين سوف يرون بأنفسهم بعض الأشياء على شاكلة النمور التي تم اقتراضها من حديقة الحيوانات أو الأشجار التي تم ربطها بالجذوع، وأنه سيتوجب علينا حينها الكتابة عن هذه الأشياء، وهو ما قد ينجم عنه كثير من المشكلات، فمن الممكن أن تتم إقالتي من منصبي أو حتى تتحول عملية الاستحواذ على المجلة إلى صفقة معادية.

لذا، قررت عدم إرسال مراسل صحافي، مما ترتب عليه إقالتي من منصبي على الفور.

كانت إقالتي بمثابة مصدر ارتياح كبير بالنسبة لي، حيث إن ما كنت أخشاه منذ أن أصبحت المجلة تابعة لـ«الجمعية الجغرافية الروسية» قد تحقق أخيرا. ولكن ما أزعجني حقيقة هو أنني فوتُّ على نفسي فرصة عظيمة للكتابة كنت سأرغب بشدة في دخولها.

وبعد ذلك بيومين، كتبت إحدى طالبات علم الأحياء، التي تعمل متطوعة في المحمية التي نشأت فيها هذه الطيور، على أحد المدونات لتقول أن اثنين من الطيور التي كانت في رحلة بوتين قد نفقت، نظرا لأنه كان يتعين نقلها إلى موقع رحلة بوتين. انتشرت هذه التدوينة بسرعة كبيرة، ولكن سرعان ما قامت الطالبة بحذفها، مؤكدة أنها لم تكن ترغب في إثارة أي جدل، وعلى أي حال، فلم يقم الرئيس بوتين «بقتل هذه الطيور بنفسه».

وفي الحقيقة، أنا لا أعرف ماذا حدث بالضبط لأنني، ولسوء الحظ، لم أكن هناك.

* خدمة «نيويورك تايمز»