مفهوم التدخل العسكري من وجهة نظر أوباما

TT

تصر إدارة أوباما على رفض التدخل العسكري في سوريا دون غطاء دولي. لا يريد أوباما أن يرتدي ثوب بوش الابن الذي احتل العراق دونما اعتبار للأمم المتحدة حينما خرج مغاضبا بسبب تقارير غير مؤكدة عن تسليح نووي لصدام حسين.

لا بأس أن يتمسك الرئيس الأميركي بحق دولته بتبني سياسة السلم والحوار في النزاعات الدولية. إنما خلف هذه المثالية البراقة، توجد حرب صامتة تنفذها إدارة أوباما. حرب حقيقية، من طلعات جوية وصواريخ وقتلى وتنديد.

تركز صحيفة الـ«نيويورك تايمز» منذ سنتين على تقارير تؤكد تزايد عدد الطلعات الجوية، منذ بداية ولاية الرئيس باراك أوباما، لطائرات من دون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، تستهدف عناصر تنظيم القاعدة في باكستان واليمن والعراق والصومال. الصحيفة تناولت هذه القضية من أكثر من زاوية؛ أخلاقية وعسكرية وسياسية، وكلها تدحض توجه أوباما الذي يعلنه أمام المجتمع الدولي. تعرض الصحيفة انتقادات حول أن الرئيس الأميركي يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، وبأنه يعزز في الواقع فكرة أن أميركا شرطي العالم، ويقوض السلم الدولي بتدخله في سيادة الدول، ويعرض الأمن القومي الأميركي للخطر، ويضرب عرض الحائط بكل قيم ومبادئ الأمة الأميركية.

عادت الصحيفة وأظهرت شيئا من اللين منذ شهرين عندما نشرت تصريحات لأكاديميين ومتخصصين في علوم الفلسفة والأخلاق يؤكدون أن استهداف الإرهابيين بهذه التقنية ليس فقط أكثر أمنا وأقل في الأضرار البشرية، ولكنه أمسى التزاما أخلاقيا على الولايات المتحدة.

أي أننا أمام جدل أميركي لقضية لم تحسمها أروقة الكونغرس، ولكن الحديث عنها يتم بحساب وبلا ضجيج.

هذا النوع من الغارات الجوية لا يثير تحفظا في الداخل الأميركي طالما أن الجندي الأميركي لم ينتقل إلى ساحة المعركة، كما أنه لا يستوجب احتجاجا دوليا لأنه لا يتضمن تحريك الجيوش إلى مناطق النزاع. وسياسيا، فإن هذا النوع من الطلعات الجوية لا غبار به ولا عليه، أي لا أثر له، ويتم بسرية شديدة، عدا الحالات التي أذيعت بتوسع لأنها اقتنصت قيادات في التنظيم، مثل أنور العولقي في اليمن، أو أبو يحيى الليبي في باكستان، أما من هم دون ذلك فالخبر يمر على وكالات الأنباء مرور العابرين.

إنها حرب حداثية بالمعنى اللغوي، وإلكترونية بالمعنى العلمي.

دخول التقنيات المتطورة والحساسة على خط التصنيع العسكري سيفرض واقعا جديدا. نرى العالم يسخر اليوم من سلاح الجو السوري وهم يشاهدون طائرات الـ«ميغ» الروسية الصنع تهوي بفعل صاروخ محمول على كتف ثائر سوري في ريف إدلب، يصيدها كما يصيد الطيور؛ لأنها قديمة الطراز، لم تعد قادرة على تجنب صاروخ حديث مضاد للطائرات. والصين باغتت أميركا عندما أصدرت فيلما تسويقيا يظهر قدرتها على تصنيع طائرة من دون طيار، وروسيا والهند وإيران يسيرون على نفس الطريق، غدا ستمتلئ السماء بألعاب إلكترونية حقيقية بدأتها أميركا. وسنسمع قريبا عن صواريخ وقنابل وراجمات لها مدة صلاحية، مثل الحليب، تتلف ذاتيا بعد وقت محدد أو عن بعد، فلا يتبقى ذريعة للولايات المتحدة لتزويد المستضعفين كثوار سوريا بالأسلحة خوفا من أن تقع في أيدي تنظيم القاعدة لاحقا، لأنها تستطيع إتلافها إلكترونيا من أي قاعدة أميركية حول العالم.

سوق التسلح العالمي لم يعد طائرات وغواصات ودبابات فقط، لأن التقنية الحديثة أدخلت معها وسائل رصد متقدمة ومجسات حساسة جنبا إلى جنب، وهي أدوات رئيسية في حرب الشوارع كما يحصل اليوم في سوريا.

وعلى الرغم من هذا كله، لا يسع المرء إلا أن يسمي ما تقوم به إدارة أوباما في باكستان والصومال والعراق واليمن تدخلا عسكريا بلا غطاء دولي، وفي عدم رضا بعض الدول كما يحصل في باكستان التي قتل فيها جراء طلعات الطائرات من دون طيار 2000 شخص بعضهم من المدنيين.

لذلك فإن السؤال الأخلاقي الكبير الذي يطرح نفسه عما إذا كان من الجائز في العرف الديمقراطي التدخل العسكري لقصف مواقع في باكستان والصومال بطائرات من دون طيار، أيا كانت النتائج والأهداف، ويقع في دائرة المحرمات تزويد المجلس العسكري لثوار سوريا بالسلاح، أو فرض منطقة عازلة، في بلد مفتوح على كل الاحتمالات المروعة؟

لا شيء يستطيع تحريك مواقف الولايات المتحدة بحزبيها الديمقراطي والجمهوري مثلما تفعل سيرة تنظيم القاعدة إذا انفتحت، التنظيم هو الذي يجعل واشنطن تقفز فوق أي مبدأ أو التزام أخلاقي. لكن على أوباما أن يعي أنه بموقفه المتردد من الثورة السورية سيمكن المتطرفين من سوريا، وسيجلب كذلك كره السوريين وشعوب المنطقة المتعاطفة معهم على أميركا، وهذا تماما ما فعله بوش الابن الذي يعيره أوباما بفشله.

[email protected]