الإنصات.. القوة الخفية!

TT

في كتاب جديد صدر قبل بضعة أسابيع بعنوان «قوة الإنصات» أو Power Listening، قال المؤلف إن هذه المهارة هي إحدى أهم المهارات التي يستخدمها الناس في حياتهم وتؤثر في علاقاتهم وتواصلهم، وتقدم لهم الحلول من دون مشقة، غير أن قلة من الناس من يلقي لها بالا.

وهو كلام سليم، إذ إن المتأمل لهذه المهارة يجد أن كثيرا من مشاكلنا يمكن أن نجد لها حلولا في ثنايا كلام من نصغي إليهم. فليس كل الحلول يجب أن تأتي من جهابذة المتخصصين، أو بين دفتين كتاب أو مقال، فقد ينقذنا شخص بسيط من ورطة وقعنا فيها باقتراحه. أليست أجمل الأفكار من حولنا لم تكن سوى فكرة بزغت في ذهن صاحبها فلقيت آذانا مصغية؟

المؤلف برنارد فيراري صاحب كتاب «قوة الإنصات» يقترح أن يطبق المرء قاعدة 80/ 20 بحيث يصغي هو 80 في المائة من وقت الحوار ويتحدث لمدة 20 في المائة، إن كان ذلك ضروريا، حتى يستفيد من أفكار محدثيه. غير أن هذه الفكرة تبدو صعبة للبعض في مجتمعاتنا ذات «الثقافة الشفهية» والتي يعظم فيها المتحدث وينسى دور المنصت! فنحن ننفرد عن شعوب العالم بأننا أنشأنا سوقا للمتحدثين كعكاظ وعلقنا أفضل القصائد على أستار الكعبة، وهي أقدس موقع، ولم نسمع يوما من تم تكريمه لأنه كان منصتا جيدا في عمله أو مجتمعه، على الرغم من أنه لولا تلك الآذان المصغية لما ظهر لنا متحدثون بارعون.

ولا ننسى أن المنصت هو المستفيد الأول لأنه يكسب بحسن إنصاته مودة واحترام المتحدث الذي أفسح له المجال ليفضفض عما يجول في خاطره. كما أن المنصت نفسه يستفيد من احتمالية أن تصحح له أخطاءه أو أن تؤكد له معلومة أو ينبه إلى خطر داهم قد يضره.

وتبقى حقيقة مهمة وهي أن حالنا لن يتغير ما لم يعترف الفرد بأنه لديه مشكلة في إنصاته. فقد لاحظت أن 90 في المائة ممن يحضرون دوراتي في فن الإنصات يحصلون على معدل «مقبول» في تمرين «هل أنت منصت جيد؟» (في بداية الدورة) رغم أن نصفهم لم يعترفوا قبل أخذ التمرين بأن لديهم مشكلة في الإنصات! الاعتراف بالمشكلة هي أولى خطوات الحل. ثم إن فاقد الشيء لا يعطيه، إذ لا يعقل أن نتوقع من أبنائنا ممارسة آداب الحوار والإنصات ونحن نمارس معهم يوميا «صراع الديكة» الحواري! ولذا فإن أفضل طريقة في اكتساب هذه المهارة يأتي من خلال أن يكون الإنسان قدوة لمرؤوسيه وأبنائه وأصدقائه أو كما يسمى بالإنجليزية Leading By Example أي «قدوة حسنة».

الإنصات عموما، كما يصفه مؤلف الكتاب، هو «أكثر مهارة مؤثرة في جميع العصور» ولكن شريطة أن يحسن المرء تطبيقها، ولحسن الحظ فهي مهارة يمكن اكتسابها بالمران أو تقليد الآخرين. ولذا نجد أن من يحسنها ويدرك قيمتها سيشعر بأنه يمتلك «قوة خفية» ترشده وتثقفه وتحميه من قراراته المتسرعة التي لم تحظ بنصيب كاف من الآذان المصغية.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]