مبروك لصديقك الرئيس

TT

تربطني صداقة عائلية مع الدكتور مصراف علي، أحد أشهر أطباء الهند. وأوائل الصيف الماضي قال إنه ذاهب لشراء بذلة رسمية لأنه مدعو إلى الاحتفال بتنصيب الرئيس الهندي الجديد براناب موكهرجي. وبما أن الدكتور علي يحول كل شيء إلى حدث، فقد كان شراء البذلة حدثا يحكى عنه لأسابيع، مثل انتخاب الرئيس. وشرح الدكتور علي أن للرئيس أفضالا عليه، وأنه ساعده يوم كان طالب طب، أعطاه المشورة وأقرضه المال. وقد أعاد المال أما المشورة فلا ثمن لها.

وسألني مصراف علي إن كان يهمني أمر مقابلة مع الرئيس الهندي. فكرت قليلا. من هو الصحافي الذي لا تهمه مقابلة مع رئيس بلد فيه مليار و200 مليون بشري ونحو 80 لغة معترفا بها، وتتزعم حزب الحاكم أرملة إيطالية بالساري الهندي. لكنني قلت له إنني لا أشعر بأنني أهل للمقابلة مع وزير هندي فكيف بالرئيس؟! فأنا لا أعتقد أن الهند دولة بل هي أحجية غير قابلة للدراسة. لأن الدراسة تصل عادة إلى شيء من الاستنتاجات أو الأجوبة أو الخلاصات. لكن كيف تفسر إدارة دولة مثل الهند؟ لا مقارنة بين العملاقين البشريين. واحدة لها ثقافة واحدة وعرق واحد ولغة رئيسية واحدة، وأخرى لها ست لغات رسمية ولا تزال بعض ولاياتها تئد البنات، فيما بانغالور، الشيوعية تقليديا، تشبه كاليفورنيا في تقدمها العلمي.

هل يستطيع الرئيس الهندي أن يجيب عن سؤال بسيط: ما هي الهوية الهندية؟ ثمة مشهد لا يمحى من الذاكرة: راجيف غاندي يلقم الحطب في النيران التي تشتعل فيها جثة أمه، التي اغتالها حراسها من الانفصاليين السيخ. ثم سوف يقتلونه أيضا. من يحمي وحدة الهند، إذن؟ النظام الديمقراطي؟ وكيف تعيش الديمقراطية في بلد فيه مئات ملايين الفقراء؟

عندما أقرأ عن الهند، وغالبا ما أتابع صحفها الممتازة، من قبل الإنترنت بكثير، لا أقرأ عن بلد بل عن ظاهرة بشرية. لا. لا هي أميركا، بسبب النظام الديمقراطي، ولا هي الصين بسبب الحجم البشري. أيام الحكم البريطاني كان كل موظف «إنجليزي» قادرا على استخدام 40 عاملا هنديا، ما بين طاه وحارس وعربجي وجنيناتي وإلى آخره. كم مرة أكرر على جنابكم كل عام أن الخمسة أوائل على لائحة أغنى 500 بريطاني كل عام هم من الهنود.

كيف تتنقل في العاصمة نيودلهي أيها الدكتور علي؟ عشرات الملايين من الناس ومدينة في حجم بلجيكا، والزمامير يا دكتور علي، الزمامير. مبروك لصديقك الرئيس في كل حال. مبروك.